مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧١٥
٢١] لتأنيث النفس لأنه لو قصدت الصيغة لقيل : رهين، لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتيمة بمعنى الشتم، كأنه قيل : كل نفس بما كسبت رهن، ومنه بيت الحماسة :
أبعد الذي بالنعف نعف كواكب رهينة رمس ذي تراب وجندل
كأنه قال : رهن رمس، والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند اللّه غير مفكوك إلا أصحاب اليمين، فإنهم فكوا عن رقاب أنفسهم بسبب أعمالهم الحسنة، كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق، ثم ذكروا وجوها في أن أصحاب اليمين من هم؟ أحدها : قال ابن عباس : هم المؤمنون وثانيها : قال الكلبي : هم الذين قال [فيهم ] اللّه تعالى :«هؤلاء في الجنة ولا أبالي» وهم الذين كانوا على يمين آدم وثالثها : قال مقاتل : هم الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم لا يرتهنون بذنوبهم في النار ورابعها :
قال علي بن أبي طالب عليه السلام وابن عمر : هم أطفال المسلمين،
قال الفراء : وهو أشبه بالصواب لوجهين : الأول : لأن الولدان لم يكتسبوا إثما يرتهنون به والثاني :
أنه تعالى ذكر في وصفهم، فقال : فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر : ٤٠- ٤٢] وهذا إنما يليق بالولدان، لأنهم لم يعرفوا الذنوب، فسألوا ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ وخامسها : عن ابن عباس : هم الملائكة.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٤٠ إلى ٤١]
فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١)
قوله تعالى : فِي جَنَّاتٍ أي هم في جنات لا يكتنه وصفها.
ثم قال تعالى : يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ وفيه وجهان الأول : أن تكون كلمة عن صلة زائدة، والتقدير : يتساءلون المجرمين فيقولون لهم : ما سلككم في سقر؟ فإنه يقال سألته كذا، ويقال : سألته عن كذا الثاني : أن يكون المعنى أن أصحاب اليمين يسأل بعضهم بعضا عن أحوال المجرمين، فإن قيل : فعلى هذا الوجه كان يجب أن يقولوا : ما سلكهم في سقر؟ قلنا : أجاب صاحب «الكشاف» عنه فقال : المراد من هذا أن المسؤولين يلقون إلى السائلين ما جرى بينهم وبين المجرمين، / فيقولون قلنا لهم : ما سلككم في سقر وفيه وجه آخر، وهو أن يكون المراد أن أصحاب اليمين كانوا يتساءلون عن المجرمين أين هم؟ فلما رأوهم قالوا لهم : ما سلككم في سقر والإضمارات كثيرة في القرآن.
[سورة المدثر (٧٤) : الآيات ٤٢ إلى ٤٧]
ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦)
حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧)


الصفحة التالية
Icon