مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٣٢
تعالى يقلب الحدقة إلى جهنم فإن قلتم : المراد أنه لا ينظر إليهم نظر الرحمة كان ذلك جوابنا عما قالوه.
التأويل الثالث : أن يكون معنى : إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ أنها لا تسأل ولا ترغب إلا إلى اللّه، وهو المراد من
قوله عليه الصلاة والسلام :«اعبد اللّه كأنك تراه»
فأهل القيامة لشدة تضرعهم إليه وانقطاع أطماعهم عن غيره صاروا كأنهم ينظرون إليه الجواب : قوله : ليس النظر عبارة عن الرؤية، قلنا : هاهنا مقامان :
الأول : أن تقيم الدلالة على أن النظر هو الرؤية من وجهين : الأول : ما حكى اللّه تعالى عن موسى عليه السلام وهو قوله : أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف : ١٤٣] فلو كان النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جانب المرئي، لاقتضت الآية أن موسى عليه السلام أثبت للّه تعالى وجهة ومكانا وذلك محال الثاني : أنه جعل النظر أمرا مرتبا على الإرادة فيكون النظر متأخرا عن الإرادة، وتقليب الحدقة غير متأخر عن الإرادة، فوجب أن يكون النظر عبارة عن تقليب الحدقة إلى جانب المرئي.
المقام الثاني : وهو الأقرب إلى الصواب، سلمنا أن النظر عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئي التماسا لرؤيته، لكنا نقول : لما تعذر حمله على حقيقته وجب حمله على مسببه وهو الرؤية، إطلاقا لاسم السبب على المسبب، وحمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار، لأن تقليب الحدقة كالسبب للرؤية ولا تعلق بينه وبين الانتظار، فكان حمله على الرؤية أولى من حمله على الانتظار.
أما قوله : النظر جاء بمعنى الانتظار، قلنا : لنا في الجواب مقامان :
الأول : أن النظر الوارد بمعنى الانتظار كثير في القرآن، ولكنه لم يقرن ألبتة بحرف إلى كقوله تعالى :
انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد : ١٣] وقوله : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الأعراف : ٥٣] هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ [البقرة : ٢١٠] والذي ندعيه أن النظر المقرون بحرف إلى المعدي إلى الوجوه ليس إلا بمعنى الرؤية / أو بالمعنى الذي يستعقب الرؤية ظاهر، فوجب أن لا يرد بمعنى الانتظار دفعا للاشتراك.
وأما قول الشاعر :
وجوه ناظرات يوم بدر إلى الرحمن تنتظر الخلاصا
قلنا : هذا الشعر موضوع والرواية الصحيحة :
وجوه ناظرات يوم بكر إلى الرحمن تنتظر الخلاصا
والمراد من هذا الرحمن مسيلمة الكذاب، لأنهم كانوا يسمونه رحمن اليمامة، فأصحابه كانوا ينظرون إليه ويتوقعون منه التخلص من الأعداء، وأما قول الشاعر :
وإذا نظرت إليك من ملك
فالجواب : أن قوله : وإذا نظرت إليك، لا يمكن أن يكون المراد منه الانتظار، لأن مجرد الانتظار لا يستعقب العطية بل المراد من قوله : وإذا نظرت إليك، وإذا سألتك لأن النظر إلى الإنسان مقدمة المكالمة فجاز التعبير عنه به، وقوله : كلمة إلى هاهنا ليس المراد منه حرف التعدي بل واحد الآلاء، قلنا : إن إلى على هذا القول تكون اسما للماهية التي يصدق عليه أنها نعمة، فعلى هذا يكفي في تحقق مسمى هذه اللفظة أي جزء


الصفحة التالية
Icon