مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٣٥
أبو علي الفارسي، ولا أعرف وجه ذلك، قال الواحدي، والوجه أن يقال : قصد الوقف على من وبل، فأظهرها ثم ابتدأ بما بعدهما، وهذا غير مرضي من القراءة.
[سورة القيامة (٧٥) : آية ٢٨]
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨)
قال المفسرون : المراد أنه أيقن بمفارقته الدنيا، ولعله إنما سمي اليقين هاهنا بالظن، لأن الإنسان ما دام يبقى روحه متعلقا ببدنه، فإنه يطمع في الحياة لشدة حبه «١» لهذه الحياة العاجلة على ما قال : كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ [القيامة : ٢٠] ولا ينقطع رجاؤه عنها فلا يحصل له يقين الموت، بل الظن الغالب مع رجاء الحياة، أو لعله سماه بالظن على سبيل التهكم.
واعلم أن الآية دالة على أن الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت البدن، لأنه تعالى سمى الموت فراقا، والفرق إنما يكون لو كانت الروح باقية، فإن الفراق والوصال صفة، والصفة تستدعي وجود الموصوف.
ثم قال تعالى :
[سورة القيامة (٧٥) : آية ٢٩]
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩)
الالتفاف هو الاجتماع، كقوله تعالى : جِئْنا بِكُمْ / لَفِيفاً [الإسراء : ١٠٤] وفي الساق قولان : القول الأول : أنه الأمر الشديد، قال أهل المعاني : لأن الإنسان إذا دهمته شدة شمر لها عن ساقه، فقيل للأمر الشديد :
ساق، وتقول العرب : قامت الحرب على ساق، أي اشتدت، قال الجعدي :
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا
ثم قال : والمراد بقوله : الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ أي التفت شدة مفارقة الدنيا ولذاتها وشدة الذهاب، أو التفت شدة ترك الأهل، وترك الولد، وترك المال، وترك الجاه، وشدة شماتة الأعداء، وغم الأولياء، وبالجملة فالشدائد هناك كثيرة، كشدة الذهاب إلى الآخرة والقدوم على اللّه، أو التفت شدة ترك الأحباب والأولياء، وشدة الذهاب إلى دار الغربة والقول الثاني : أن المراد من الساق هذا العضو المخصوص، ثم ذكروا على هذا القول وجوها أحدها : قال الشعبي وقتادة : هما ساقاه عند الموت أما رأيته في النزع كيف يضرب بإحدى رجليه على الأخرى والثاني : قال الحسن وسعيد بن المسيب : هما ساقاه إذا التفتا في الكفن والثالث : أنه إذا مات يبست ساقاه، والتصقت إحداهما بالأخرى.
ثم قال تعالى :
[سورة القيامة (٧٥) : آية ٣٠]
إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠)
المساق مصدر من ساق يسوق، كالمقال من قال يقول، ثم فيه وجهان أحدهما : أن يكون المراد أن المسوق إليه هو الرب والثاني : أن يكون المراد أن السائق في ذلك اليوم هو الرب، أي سوق هؤلاء مفوض إليه.

(١) في الأصل المطبوع الذي ننقل عنه (حثه).


الصفحة التالية
Icon