مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٤٤
آمَنَ بِاللَّهِ
[البقرة : ١٧٧] ثم ذكر من أنواع نعيمهم صفة مشروبهم، فقال : يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ يعني من إناء فيه الشراب، ولهذا قال ابن عباس ومقاتل : يريد الخمر، وفي الآية سؤالان :
السؤال الأول : أن مزج الكافور بالمشروب لا يكون لذيذا، فما السبب في ذكره هاهنا؟ الجواب : من وجوه أحدها : أن الكافور اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده، ولكن لا يكون فيه طعمه ولا مضرته، فالمعنى أن ذلك الشراب يكون ممزوجا بماء هذه العين وثانيها : أن رائحة الكافور عرض فلا يكون إلا في جسم، فإذا خلق اللّه تلك الرائحة في جرم ذلك الشراب سمي ذلك الجسم كافورا، وإن كان طعمه طيبا وثالثها : أي بأس في أن / يخلق اللّه تعالى الكافور في الجنة لكن من طعم طيب لذيذ، ويسلب عنه ما فيه من المضرة؟ ثم إنه تعالى يمزجه بذلك المشروب، كما أنه تعالى سلب عن جميع المأكولات والمشروبات ما معها في الدنيا من المضار.
السؤال الثاني : ما فائدة كان في قوله : كانَ مِزاجُها كافُوراً؟ الجواب : منهم من قال : إنها زائدة، والتقدير من كأس مزاجها كافورا، وقيل : بل المعنى كان مزاجها في علم اللّه، وحكمه كافورا.
[سورة الإنسان (٧٦) : آية ٦]
عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦)
قوله تعالى : عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ فيه مسائل.
المسألة الأولى : إن قلنا : الكافور اسم النهر كان عينا بدلا منه، وإن شئت نصبت على المدح، والتقدير أعني عينا، أما إن قلنا : إن الكافور اسم لهذا الشيء المسمى بالكافور كان عينا بدلا من محل من كأس على تقدير حذف مضاف، كأنه قيل : يشربون خمرا خمر عين، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه.
المسألة الثانية : قال في الآية الأولى : يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ [الإنسان : ٥] وقال هاهنا : يَشْرَبُ بِها فذكر هناك من وههنا الباء، والفرق أن الكأس مبدأ شربهم وأول غايته. وأما العين فبها يمزجون شرابهم فكأن المعنى : يشرب عباد اللّه بها الخمر، كما تقول : شربت الماء بالعسل.
المسألة الثالثة : قوله : يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ عام فيفيد أن كل عباد اللّه يشربون منها، والكفار بالاتفاق لا يشربون منها، فدل على أن لفظ عباد اللّه مختص بأهل الإيمان، إذا ثبت هذا فقوله : وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ [الزمر : ٧] لا يتناول الكفار بل يكون مختصا بالمؤمنين، فيصير تقدير الآية ولا يرضى لعباده المؤمنين الكفر، فلا تدل الآية على أنه تعالى لا يريد كفر الكافر.
قوله تعالى : يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً معناه يفجرونها حيث شاءوا من منازلهم تفجيرا سهلا لا يمتنع عليهم واعلم أنه سبحانه لما وصف ثواب الأبرار في الآخرة شرح أعمالهم التي بها استوجبوا ذلك الثواب.
[سورة الإنسان (٧٦) : آية ٧]
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧)
فالأول قوله تعالى : يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الإيفاء بالشيء هو الإتيان به وافيا، أما النذر فقال أبو مسلم : النذر كالوعد، إلا أنه إذا كان من العباد فهو نذر، وإن كان من اللّه تعالى فهو وعد، واختص هذا اللفظ في عرف الشرع بأن يقول للّه عليّ كذا وكذا من الصدقة، أو يعلق ذلك بأمر يلتمسه من اللّه تعالى مثل أن يقول : إن شفى اللّه مريضي، أو رد غائبي


الصفحة التالية
Icon