مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٤٩
فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً [الإسراء : ٩٩] مثل برد وبرود وإن شئت مصدرا واحدا في معنى جمع مثل قعد قعودا وخرج خروجا.
المسألة الرابعة : قوله : إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يحتمل وجهين أحدهما : أن إحساننا إليكم للخوف من شدة ذلك اليوم لا لإرادة مكافأتكم والثاني : أنا لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب اللّه على طلب المكافأة بالصدقة، فإن قيل : إنه تعالى حكى عنهم الإيفاء بالنذر وعلل ذلك بخوف القيامة فقط، ولما حكى عنهم الإطعام علل ذلك بأمرين بطلب رضاء اللّه وبالخوف عن القيامة فما السبب فيه؟ قلنا : الإيفاء بالنذر دخل في حقيقة طلب رضاء اللّه تعالى، وذلك لأن النذر هو الذي أوجبه الإنسان على نفسه لأجل اللّه فلما كان كذلك لا جرم ضم إليه خوف القيامة فقط، أما الإطعام، فإنه لا يدخل في حقيقة طلب رضا اللّه، فلا جرم ضم إليه طلب رضا اللّه وطلب الحذر من خوف القيامة.
المسألة الخامسة : وصف اليوم بالعبوس مجازا على طريقتين أحدهما : أن يوصف بصفة أهله من الأشقياء كقولهم : نهارك صائم،
روي أن الكافر يحبس حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران
والثاني : أن يشبه في شدته وضراوته بالأسد العبوس أو بالشجاع الباسل.
المسألة السادسة : قال الزجاج : جاء في التفسير أن قمطريرا معناه تعبيس الوجه، فيجتمع ما بين العينين، قال : وهذا سائغ في اللغة يقال : اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها ورمت بأنفها يعني أن معنى اقمطر في اللغة جمع، وقال الكلبي : قمطريرا يعني شديدا وهو قول الفراء وأبي عبيدة والمبرد وابن قتيبة، قالوا : يوم قمطرير، وقماطر إذا كان صعبا شديدا أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء، قال الواحدي : هذا معنى والتفسير هو الأول.
[سورة الإنسان (٧٦) : آية ١١]
فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١)
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم أتوا بالطاعات لغرضين طلب رضا اللّه والخوف من القيامة بين في هذه الآية أنه أعطاهم هذين الغرضين، أما الحفظ من هول القيامة، فهو المراد بقوله : فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وسمى شدائدها شرا توسعا على ما علمت، واعلم أن هذه الآية أحد ما يدل على أن شدائد الآخرة لا تصل إلا إلى أهل العذاب، وأما طلب رضاء اللّه تعالى فأعطاهم بسببه نضرة في الوجه وسرورا في القلب، وقد مر تفسير وَلَقَّاهُمْ في قوله : وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً [الفرقان : ٧٥] وتفسير النضرة في قوله : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ [القيامة : ٢٣] والتنكير في سُرُوراً : للتعظيم والتفخيم.
[سورة الإنسان (٧٦) : الآيات ١٢ إلى ١٣]
وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣)
وقوله تعالى : وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً والمعنى وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدي إليه من الجوع والعري، بستانا فيه مأكل هنيء وحريرا فيه ملبس بهي، ونظيره قوله تعالى : وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ [الحج : ٢٣] أقول : وهذا يدل على أن المراد من قوله : إِنَّما نُطْعِمُكُمْ [الإنسان : ٩] ليس هو الإطعام فقط


الصفحة التالية
Icon