مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٥٢
المسألة الثانية : أن منتهى مراد الرجل في الآنية التي يشرب منها الصفاء والنقاء والشكل. أما الصفاء فقد ذكره اللّه تعالى بقوله : كانَتْ قَوارِيرَا وأما النقاء فقد ذكره بقوله : مِنْ فِضَّةٍ وأما الشكل فقد ذكره بقوله :
قَدَّرُوها تَقْدِيراً.
المسألة الثالثة : المقدر لهذا التقدير من هو؟ فيه قولان : الأول : أنهم هم الطائفون الذين دل عليهم قوله تعالى : وَيُطافُ عَلَيْهِمْ وذلك أنهم قدروا شرابها على قدر ري الشارب والثاني : أنهم هم الشاربون وذلك لأنهم إذا اشتهوا مقدارا من المشروب جاءهم على ذلك القدر.
واعلم أنه تعالى لما وصف أواني مشروبهم ذكر بعد ذلك وصف مشروبهم، فقال :
[سورة الإنسان (٧٦) : آية ١٧]
وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧)
العرب كانوا يحبون جعل الزنجبيل في المشروب، لأنه يحدث فيه ضربا من اللذع، فلما كان كذلك وصف اللّه شراب أهل الجنة بذلك، ولا بد وأن تكون في الطيب على أقصى الوجوه. قال ابن عباس : وكل ما ذكره اللّه تعالى في القرآن مما في الجنة، فليس منه في الدنيا إلا الاسم، وتمام القول هاهنا مثل ما ذكرناه في قوله : كانَ مِزاجُها كافُوراً [الإنسان : ٥].
[سورة الإنسان (٧٦) : آية ١٨]
عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : قال ابن الأعرابي : لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن، فعلى هذا لا يعرف له اشتقاق، وقال الأكثرون : يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل أي عذب سهل المساغ، وقد زيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية «١»، ودلت على غاية السلاسة، قال الزجاج : السلسبيل في اللغة صفة لما كان في غاية السلاسة، والفائدة في ذكر السلسبيل هو أن ذلك الشراب يكون في طعم الزنجبيل، وليس فيه لذعة لأن نقيض اللذع هو السلاسة، وقد عزوا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام أن معناه : سل سبيلا إليها، وهو بعيد إلا أن يراد أن جملة قول / القائل : سلسبيلا جعلت علما للعين، كما قيل : تأبط شرا، وسميت بذلك، لأنه لا يشرب منها إلا من سأل إليها سبيلا بالعمل الصالح.
المسألة الثانية : في نصب عينا وجهان أحدهما : أنه بدل من زنجبيلا وثانيهما : أنه نصب على الاختصاص.
المسألة الثالثة : سلسبيلا صرف لأنه رأس آية، فصار كقوله الظُّنُونَا [الأحزاب : ١٠] والسَّبِيلَا [الأحزاب :
٦٧] وقد تقدم في هذه السورة بيان ذلك. واعلم أنه تعالى ذكر بعد ذلك من يكون خادما في تلك المجالس.
[سورة الإنسان (٧٦) : آية ١٩]
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩)
فقال : وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ وقد تقدم تفسير هذين الوصفين في سورة الواقعة والأقرب أن

(١) هكذا الأصل الذي ننقل منه، ولكن الكلمة سداسية كما ترى وهو الصواب.


الصفحة التالية
Icon