مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٧٧٥
أن تلك النار عظيمة جدا، ثم إنه تعالى شبه ذلك الشرر بشيئين الأول : بالقصر وفي تفسيره قولان : أحدهما : أن المراد منه البناء المسمى بالقصر قال ابن عباس : يريد القصور العظام الثاني : أنه ليس المراد ذلك، ثم على التقدير ففي التفسير وجوه أحدها : أنها جمع قصره ساكنة الصاد كتمرة وتمر وجمرة وجمر، قال المبرد : يقال للواحد من الحطب الجزل الغليظ قصرة والجمع قصر، قال عبد الرحمن بن عباس : سألت ابن عباس عن القصر فقال : هو خشب كنا ندخره للشتاء نقطعه وكنا نسميه القصر، وهذا قول سعيد بن جبير ومقاتل والضحاك، وإلا أنهم قالوا : هي أصول النخل والشجر العظام، قال صاحب «الكشاف» : قرئ كالقصر بفتحتين وهي أعناق الإبل أو أعناق النخل نحو شجرة وشجر، وقرأ ابن مسعود كالقصر بمعنى القصر كرهن ورهن، وقرأ سعيد بن جبير كالقصر في جمع قصرة كحاجة وحوج.
التشبيه الثاني : قوله تعالى : كأنه جمالات صفر وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : جمالات جمع جمال كقوهم : رجالات ورجال وبيوتات وبيوت، وقرأ ابن عباس حمالات بضم الجيم وهو قراءة يعقوب وذكروا وجوها أحدها : قيل : الجمالات بالضم الحبال الغلاظ وهي حبال السفن، ويقال لها : القلوس ومنهم من أنكر ذلك وقال : المعروف في الحبال إنما هو الجمل بضم الجيم وتشديد الميم وقرئ : حتى يلوج الجمل [الأعراف : ٤٠] وثانيها : قيل هي قطع النحاس، وهو مروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام، وابن عباس ومعظم أهل اللغة لا يعرفونه وثالثها : قال الفراء : يجوز أن يكون الجمالات بالضم من الشيء المجمل، يقال : أجملت الحساب، وجاء القوم جملة أي مجتمعين، والمعنى أن هذه الشررة ترتفع كأنها شيء مجموع غليظ أصفر، وهذا قول الفراء ورابعها : قال الفراء : يجوز أن يقال : جمالات بضم الجيم جمع جمال بضم الجيم وجمال بضم الجيم يكون جمع جمل، كما يقال : رخل ورخال ورخال.
القراءة الثاني : جماله بكسر الجيم هي جمع جمل مثل حجر وحجارة، قال أبو علي : والتاء إنما لحقت جمالا لتأنيث الجمع، كما لحقت في فحل وفحالة.
القراءة الرابعة : جملة بضم الجيم وهي القلس، وقيل : صفر لإرادة الجنس، أما قوله : صفر فالأكثرون على أن المراد منه سود تضرب إلى الصفرة، قال الفراء : لا ترى أسود من الإبل إلا وهو مشوب صفرة، والشرر إذا تطاير فسقط وفيه بقية من لون النار كان أشبه بالجمل الأسود الذي يشوبه شيء من الصفرة. وزعم بعض العلماء أن المراد هو الصفرة لا السواد، لأن الشرر إنما يسمى شررا، ما دام يكون نارا، ومتى كان نارا كان أصفر، وإنما يصير أسود إذا انطفأ، وهناك لا يسمى شررا، وهذا القول عندي هو الصواب.
المسألة الثانية : اعلم أنه تعالى شبه الشرر في العظم بالقصر، وفي اللون والكثرة والتتابع وسرعة الحركة بالجمالات الصفر، وقيل : أيضا إن ابتداء الشرر يعظم فيكون كالقصر ثم يفترق فتكون تلك القطع المتفرقة المتتابعة كالجمالات الصفر، واعلم أنه نقل عن ابن عباس أنه قال في تفسير قوله : إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ أن هذا التشبيه إنما ورد في بلاد العرب، وقصورهم قصيرة السمك جارية مجرى الخيمة، فبين تعالى أنها ترمى بشرر كالقصر، فلما سمع أبو العلاء المعري بهذا تصرف فيه وشبهه بالخيمة من الأديم، وهو قوله :
حمراء ساطعة الذوائب في الدجى ترمى بكل شرارة كطراف


الصفحة التالية
Icon