مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٠٠
أما قوله تعالى :
[سورة الانشقاق (٨٤) : آية ١٣]
إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣)
فقد ذكر القفال فيه وجهين أحدهما : أنه كان في أهله مسرورا أي منعما مستريحا من التعب بأداء العبادات واحتمال مشقة الفرائض من الصلاة والصوم والجهاد مقدما على المعاصي آمنا من الحساب والثواب والعقاب لا يخاف اللّه ولا يرجوه فأبدله اللّه بذلك السرور الفاني غما باقيا لا ينقطع، وكان المؤمن الذي أوتي كتابه بيمينه متقيا من المعاصي غير آمن من العذاب ولم يكن في دنياه مسرورا في أهله فجعله اللّه في الآخرة مسرورا فأبدله اللّه تعالى بالغم الفاني سرورا دائما لا ينفذ الثاني : أن قوله : إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً كقوله : وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين : ٣١] أي متنعمين في الدنيا معجبين بما هو عليه من الكفر فكذلك هاهنا يحتمل أن يكون المعنى أنه كان في أهله مسرورا بما هم عليه من الكفر باللّه والتكذيب بالبعث يضحك ممن آمن به وصدق بالحساب، وقد روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».
أما قوله :
[سورة الانشقاق (٨٤) : آية ١٤]
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤)
فاعلم أن الحور هو الرجوع والمحار المرجع والمصير وعن ابن عباس. ما كنت أدري ما معنى يحور، حتى سمعت إعرابية تقول لا بنتها حوري أي ارجعي، ونقل القفال عن بعضهم أن الحور هو الرجوع إلى خلاف ما كان عليه المرء كما قالوا :«نعوذ باللّه من الحور بعد الكور» فعلى الوجه الأول معنى الآية أنه ظن أن لن يرجع إلى الآخرة أي لن يبعث، وقال مقاتل وابن عباس : حسب أن لا يرجع إلى اللّه تعالى، وعلى الوجه الثاني أنه ظن أن لن يرجع إلى خلاف ما هو عليه في الدنيا من السرور والتنعم.
[سورة الانشقاق (٨٤) : آية ١٥]
بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥)
ثم قال تعالى : بَلى أي ليبعثن، وعلى الوجه الثاني يكون المعنى أن اللّه تعالى يبدل سروره بغم لا ينقطع وتنعمه ببلاء لا ينتهي ولا يزول.
أما قوله : إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً فقال الكلبي : كان بصيرا به من يوم خلقه إلى أن بعثه، وقال عطاء :
بصيرا بما سبق عليه في أم الكتاب من الشقاء، وقال مقاتل : بصيرا متى بعثه، وقال الزجاج : كان عالما بأن مرجعه إليه ولا فائدة في هذه الأقوال، إنما الفائدة في وجهين ذكرهما القفال الأول : أن ربه كان عالما بأنه سيجزيه والثاني : أن ربه كان عالما بما يعمله من الكفر والمعاصي فلم يكن يجوز في حكمته أن يهمله فلا يعاقبه على سوء أعماله، وهذا زجر لكل المكلفين عن جميع المعاصي.
[سورة الانشقاق (٨٤) : الآيات ١٦ إلى ٢٠]
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠)


الصفحة التالية
Icon