مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٠٢
فاتصل، أي جمعته فاجتمع ويقال : أمور فلان متسقة أي مجتمعة على الصلاح كما يقال : منتظمة، وأما أهل المعاني فقال ابن عباس إذا اتسق أي استوى واجتمع وتكامل وتم واستدار وذلك ليلة ثلاثة عشر إلى ستة عشر، ثم إنه سبحانه وتعالى بعد أن ذكر ما به أقسم أتبعه بذكر ما عليه أقسم فقال : لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرئ : لَتَرْكَبُنَّ على خطاب الإنسان في يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ : ولتركبن بالضم على خطاب الجنس لأن النداء في قوله : يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ [الإنشقاق : ٦] للجنس ولتركبن بالكسر على خطاب النفس، وليركبن بالياء على المغايبة أي ليركبن الإنسان.
المسألة الثانية : الطبق ما طابق غيره يقال : ما هذا يطبق كذا أي لا يطابقه، ومنه قيل : للغطاء الطبق وطباق الثرى ما يطابق منه، قيل : للحال المطابقة لغيرها طبق، ومنه قوله تعالى : طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أي حالا بعد حال كل واحدة مطابقة لأختها في الشدة والهول، ويجوز أن يكون جمع طبقة وهي المرتبة من قولهم هو على طبقات والمعنى لتركبن أحوالا بعد أحوال هي طبقات في الشدة بعضها أرفع من بعض وهي الموت وما بعده من أهوال القيامة، ولنذكر الآن وجوه المفسرين فنقول : أما القراءة برفع الياء وهو خطاب الجمع فتحتمل وجوها :
أحدها : أن يكون المعنى لتركبن أيها الإنسان أمورا وأحوالا أمرا بعد أمر وحالا بعد حال ومنزلا بعد منزل إلى أن يستقر الأمر على ما يقضي به على الإنسان أول من جنة أو نار فحينئذ يحصل الدوام والخلود، إما في دار الثواب أو في دار العقاب / ويدخل في هذه الجملة أحوال الإنسان من يكون نطفة إلى أن يصير شخصا ثم يموت فيكون في البرزخ، ثم يحشر ثم ينقل، إما إلى جنة وإما إلى نار وثانيها : أن معنى الآية أن الناس يلقون يوم القيامة أحوالا وشدائد حالا بعد حال وشدة بعد شدة كأنهم لما أنكروا البعث أقسم اللّه أن البعث كائن وأن الناس يلقون فيها الشدائد والأهوال إلى أن يفرغ من حسابهم فيصير كل أحد إلى أعدله من جنة أو نار وهو نحو قوله : بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ [التغابن : ٧] وقوله : يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم : ٤٢] وقوله : يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً [المزمل : ١٧]، وثالثها : أن يكون المعنى أن الناس تنتقل أحوالهم يوم القيامة عما كانوا عليه في الدنيا فمن وضيع في الدنيا يصير رفيعا في الآخرة، ومن رفيع يتضع، ومن متنعم يشقى، ومن شقي يتنعم، وهو كقوله : خافِضَةٌ رافِعَةٌ [الواقعة : ٣] وهذا التأويل مناسب لما قبل هذه الآية لأنه تعالى لما ذكر حال من يؤتى كتابه وراء ظهره، أنه كان في أهله مسرورا، وكان يظن أن لن يحور أخبر اللّه أنه يحور، ثم أقسم على الناس أنهم يركبون في الآخرة طبقا عن طبق أي حالا بعد حالهم في الدنيا ورابعها : أن يكون المعنى لتركبن سنة الأولين ممن كان قبلكم في التكذيب بالنبوة والقيامة، وأما القراءة بنصب الياء ففيها قولان :
الأول : قول من قال : إنه خطاب مع محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى هذا التقدير ذكروا وجهين أحدهما : أن يكون ذلك بشارة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم بالظفر والغلبة على المشركين المكذبين بالبعث، كأنه يقول : أقسم يا محمد لنركبن حالا بعد حال حتى يختم لك بجميل العافية فلا يحزنك تكذيبهم وتماديهم في كفرهم. وفي هذا الوجه احتمال آخر يقرب مما ذكرنا، وهو أن يكون المعنى أنه يركب حال ظفر وغلبة بعد حال خوف وشدة. واحتمال ثالث : وهو يكون المعنى أن اللّه تعالى يبدله بالمشركين أنصارا من المسلمين، ويكون مجاز ذلك من قولهم طبقات الناس، وقد


الصفحة التالية
Icon