مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٠٤
فلما قال ذلك دل على كونهم قادرين، وهذا يقتضي أن تكون الاستطاعة قبل الفعل، وأن يكونوا موجدين لأفعالهم، وأن لا يكون تعالى خالقا للكفر فيهم. فهذه الآية من المحكمات التي لا احتمال فيها البتة، وجوابه قد مر غير مرة. أما قوله تعالى :
[سورة الانشقاق (٨٤) : آية ٢١]
وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١)
ففيه مسائل :
المسألة الأولى : أنهم أرباب الفصاحة والبلاغة فعند سماعهم القرآن لا بد وأن يعلموا كونه معجزا، وإذا علموا صحة نبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم ووجوب طاعته في الأوامر والنواهي، فلا جرم استبعد اللّه منهم عند سماع القرآن ترك السجود والطاعة.
المسألة الثانية : قال ابن عباس والحسن وعطاء والكلبي ومقاتل : المراد من السجود الصلاة وقال أبو مسلم : الخضوع والاستكانة، وقال آخرون : بل المراد نفس السجود عند آيات مخصوصة، وهذه الآية منها.
المسألة الثالثة :
روي أنه عليه السلام :«قرأ ذات يوم : وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق : ١٩] فسجد هو ومن معه من المؤمنين، وقريش تصفق فوق رؤوسهم وتصفر» فنزلت هذه الآية
واحتج أبو حنيفة على وجوب السجدة بهذا من وجهين الأول : أن فعله صلّى اللّه عليه وسلّم يقتضي الوجوب لقوله تعالى : وَاتَّبِعُوهُ والثاني : أن اللّه تعالى ذم من يسمعه فلا يسجد، وحصول الذم عند الترك يدل على الوجوب.
المسألة الرابعة : مذهب ابن عباس أنه ليس في المفصل سجدة، وعن أبي هريرة أنه سجد هاهنا، وقال :
واللّه ما سجدت فيها إلا بعد أن رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسجد فيها، وعن أنس صليت خلف أبي بكر وعمر وعثمان، فسجدوا وعن الحسن هي غير واجبة.
[سورة الانشقاق (٨٤) : آية ٢٢]
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢)
أما قوله : بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يكذبوا فالمعنى أن الدلائل الموجبة للإيمان، وإن كانت جلية ظاهرة لكن الكفار يكذبون بها إما لتقليد الأسلاف، وإما للحسد وإما للخوف من أنهم لو أظهروا الإيمان لفاتتهم مناصب الدنيا ومنافعها. أما قوله تعالى :
[سورة الانشقاق (٨٤) : آية ٢٣]
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣)
فأصل الكلمة من الوعاء، فيقال : أوعيت الشيء أي جعلته في وعاء كما قال : وَجَمَعَ فَأَوْعى [المعارج : ١٨] واللّه أعلم بما يجمعون في صدورهم من الشرك والتكذيب فهو مجازيهم عليه في الدنيا والآخرة. ثم قال تعالى :
[سورة الانشقاق (٨٤) : آية ٢٤]
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤)
استحقوه على تكذيبهم وكفرهم. أما قوله :


الصفحة التالية
Icon