مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٠٧
الشهود على الحضور احتملت الآية وجوها من التأويل أحدها : أن المشهود هو يوم القيامة، والشاهد هو الجمع الذي يحضرون فيه، وهو مروي عن ابن عباس والضحاك، ويدل على صحة هذا الاحتمال وجوه الأول : أنه لا حضور أعظم من ذلك الحضور، فإن اللّه تعالى يجمع فيه خلق الأولين والآخرين من الملائكة والأنبياء والجن والإنس، وصرف اللفظ إلى المسمى الأكمل أولى والثاني : أنه تعالى ذكر اليوم الموعود، وهو يوم القيامة، ثم ذكر عقيبة : وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ وهذا يناسب أن يكون المراد بالشاهد من يحضر في ذلك اليوم من الخلائق، وبالمشهود ما في ذلك اليوم من العجائب الثالث : أن اللّه تعالى وصف يوم القيامة بكونه مشهودا في قوله :
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [مريم : ٣٧] وقال : ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود : ١٠٣] وقال : يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ [الإسراء : ٥٢] وقال : إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ [يس : ٥٣] وطريق تنكيرهما إما ما ذكرناه في تفسير قوله تعالى : عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ [التكوير : ١٤] كأنه قيل : وما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود، وأما الإبهام في الوصف كأنه قيل : وشاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما، وإنما حسن القسم بيوم القيامة للتنبيه على القدرة إذ كان هو يوم الفصل والجزاء ويوم تفرد اللّه تعالى فيه بالملك والحكم، وهذا الوجه اختيار ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن بن علي وابن المسيب والضحاك والنخعي والثوري وثانيها : أن يفسر المشهود بيوم الجمعة وهو قول ابن عمر وابن الزبير : وذلك لأنه يوم يشهده المسلمون للصلاة ولذكر اللّه. ومما يدل على كون هذا اليوم مسمى بالمشهود خبران الأول : ما
روى أبو الدرداء قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة»
والثاني : ما
روى أبو هريرة أنه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«تحضر الملائكة أبواب المسجد فيكتبون الناس فإذا خرج الإمام طويت الصحف»
وهذه الخاصية غير موجودة إلا في هذا اليوم فيجوز أن يسمى مشهودا لهذا المعنى، قال اللّه تعالى : وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء : ٧٨] وروى :«أن ملائكة الليل والنهار يحضرون وقت صلاة الفجر فسميت هذه الصلاة مشهودة لشهادة الملائكة»
فكذا يوم الجمعة وثالثها : أن يفسر المشهود بيوم عرفة والشاهد من يحضره من الحاج وحسن القسم به تعظيما لأمر الحج
روي أن اللّه تعالى يقول للملائكة يوم عرفة :«أنظروا إلى عبادي شعثا غبرا أتوني من كل فج عميق أشهدكم أني قد غفرت لهم وأن إبليس يصرخ ويضع التراب على رأسه لما يرى من ذلك»
والدليل على أن يوم عرفة مسمى بأنه مشهود قوله تعالى : وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ [الحج : ٢٧، ٢٨]، ورابعها : أن يكون المشهود يوم النحر وذلك لأنه أعظم المشاهد في الدنيا فإنه يجتمع أهل الشرق والغرب في ذلك اليوم بمنى والمزدلفة وهو عيد المسلمين، ويكون الغرض من القسم به تعظيم أمر الحج وخامسها : حمل الآية على يوم / الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر جميعا لأنها أيام عظام فأقسم اللّه بها كما أقسم بالليالي العشر والشفع والوتر، ولعل الآية عامة لكل يوم عظيم من أيام الدنيا ولكل مقام جليل من مقاماتها وليوم القيامة أيضا لأنه يوم عظيم كما قال : لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [المطففين : ٥، ٦] وقال : فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ [مريم : ٣٧] ويدل على صحة هذا التأويل خروج اللفظ في الشاهد والمشهود على النكرة، فيحتمل أن يكون ذلك على معنى أن القصد لم يقع فيه إلى يوم بعينه فيكون معرفا أما الوجه الأول : وهو أن يحمل الشاهد على من تثبت الدعوى بقوله، فقد ذكروا على هذا التقدير وجوها كثيرة أحدها : أن الشاهد هو اللّه تعالى لقوله : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران : ١٨] وقوله : قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ