مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١١١
لذلك الشيء لقوله تعالى : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [البقرة : ٢٤] وفي : ذاتِ الْوَقُودِ تعظيم أمر ما كان في ذلك الأخدود من الحطب الكثير.
المسألة الثانية : قال أبو علي : هذا بدل الاشتمال كقولك : سلب زيد ثوبه فإن الأخدود مشتمل على النار.
المسألة الثالثة : قرئ الوقود بالضم، أما قوله تعالى : إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : العامل في إذ قتل والمعنى لعنوا في ذلك الوقت الذي هم فيه قعود عند الأخدود يعذبون المؤمنين.
المسألة الثانية : في الآية إشكال وهو أن قوله : هُمْ ضمير عائد إلى أصحاب الأخدود، لأن ذلك أقرب المذكورات والضمير في قوله : عَلَيْها عائد إلى النار فهذا يقتضي أن أصحاب الأخدود كانوا قاعدين على النار، ومعلوم أنه لم يكن الأمر كذلك والجواب : من وجوه أحدها : أن الضمير في هم عائد إلى أصحاب الأخدود، لكن المراد هاهنا من أصحاب الأخدود المقتولون لا القاتلون / فيكون المعنى إذ المؤمنين قعود على النار يحترقون مطرحون على النار وثانيها : أن يجعل الضمير في عَلَيْها عائد إلى طرف النار وشفيرها والمواضع التي يمكن الجلوس فيها، ولفظ، على مشعر بذلك تقول مررت عليها تريد مستعليا بمكان يقرب منه، فالقائلون كانوا جالسين فيها وكانوا يعرضون المؤمنين على النار، فمن كان يترك دينه تركوه ومن كان يصبر على دينه ألقوه في النار وثالثها : هب أنا سلمنا أن الضمير في هم عائد إلى أصحاب الأخدود بمعنى القاتلين، والضمير في عليها عائد إلى النار، فلم لا يجوز أن يقال : إن أولئك القاتلين كانوا قاعدين على النار، فإنا بينا أنهم لما ألقوا المؤمنين في النار ارتفعت النار إليهم فهلكوا بنفس ما فعلوه بأيديهم لأجل إهلاك غيرهم، فكانت الآية دالة على أنهم في تلك الحالة كانوا ملعونين أيضا، ويكون المعنى أنهم خسروا الدنيا والآخرة ورابعها : أن تكون على بمعنى عند، كما قيل في قوله : وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ [الشعراء : ١٤] أي عندي.
أما قوله تعالى : وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ فاعلم أن قوله : شُهُودٌ يحتمل أن يكون المراد منه حضور، ويحتمل أن يكون المراد منه الشهود الذين تثبت الدعوى بشهادتهم، أما على الوجه الأول، فالمعنى إن أولئك الجبابرة القاتلين كانوا حاضرين عند ذلك العمل يشاهدون ذلك فيكون الغرض من ذكر ذلك أحد أمور ثلاثة : إما وصفهم بقسوة القلب إذ كانوا عند التعذيب بالنار حاضرين مشاهدين له، وأما وصفهم بالجد في تقرير كفرهم وباطلهم حيث حضروا في تلك المواطن المنفرة والأفعال الموحشة، وأما وصف أولئك المؤمنين المقتولين بالجد دينهم والإصرار على حقهم، فإن الكفار إنما حضروا في ذلك الموضع طمعا في أن هؤلاء المؤمنين إذا نظروا إليهم هابوا حضورهم واحتشموا من مخالفتهم، ثم إن أولئك المؤمنين لم يلتفتوا إليهم وبقوا مصرين على دينهم الحق، فإن قلت المراد من الشهود إن كان هذا المعنى، فكان يجب أن يقال :
وهم لما يفعلون شهود ولا يقال : وهم على ما يفعلون شهود؟ قلنا : إنما ذكر لفظة على بمعنى أنهم على قبح فعلهم بهؤلاء المؤمنين، وهو إحراقهم بالنار كانوا حاضرين مشاهدين لتلك الأفعال القبيحة.
أما الاحتمال الثاني : وهو أن يكون المراد من الشهود الشهادة التي تثبت الدعوى بها ففيه وجوه أحدها :
أنهم جعلوا شهودا يشهد بعضهم لبعض عند الملك أن أحدا منهم لم يفرط فيما أمر به، وفوض إليه من التعذيب


الصفحة التالية
Icon