مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١١٣
فعل ذلك وهذا أولى لأن اللفظ عام والحكم عام فالتخصيص ترك للظاهر من غير دليل.
المسألة الثانية : أصل الفتنة الابتلاء والامتحان، وذلك لأن أولئك الكفار امتحنوا أولئك المؤمنين وعرضوهم على النار وأحرقوهم، وقال بعض المفسرين الفتنة هي الإحراق بالنار وقال ابن عباس ومقاتل :
فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ حرقوهم بالنار، قال الزجاج : يقال فتنت الشيء أحرقته والفتن أحجار سود كأنها محترقة، ومنه قوله تعالى : يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات : ١٣].
المسألة الثالثة : قوله تعالى : ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا يدل على أنهم لو تابوا لخرجوا عن هذا الوعيد وذلك يدل على القطع بأن اللّه تعالى يقبل التوبة، ويدل على أن توبة القاتل عمدا مقبولة خلاف ما يروى عن ابن عباس.
المسألة الرابعة : في قوله : فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ قولان :
الأول : أن كلا العذابين يحصلان في الآخرة، إلا أن عذاب جهنم وهو العذاب الحاصل بسبب كفرهم، وعذاب الحريق هو العذاب الزائد على عذاب الكفر بسبب أنهم أحرقوا المؤمنين، فيحتمل أن يكون العذاب الأول عذاب برد والثاني عذاب إحراق وأن يكون الأول عذاب إحراق والزائد على الإحراق أيضا إحراق، إلا أن العذاب الأول كأنه خرج عن أن يسمى إحراقا بالنسبة إلى الثاني، لأن الثاني قد اجتمع فيه نوعا الإحراق فتكامل جدا فكان الأول ضعيفا، فلا جرم لم يسم إحراقا.
القول الثاني : أن قوله : فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ إشارة إلى عذاب الآخرة : وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ إشارة إلى ما ذكرنا أن أولئك الكفار ارتفعت عليهم نار الأخدود فاحترقوا بها.
[سورة البروج (٨٥) : آية ١١]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١)
اعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد المجرمين ذكر وعد المؤمنين وهو ظاهر وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : إنما قال : ذلِكَ الْفَوْزُ ولم يقل تلك لدقيقة لطيفة وهي أن قوله : ذلِكَ إشارة إلى إخبار اللّه تعالى بحصول هذه الجنات، وقوله : تلك إشارة إلى الجنات وإخبار اللّه تعالى عن ذلك يدل على كونه راضيا والفوز الكبير هو رضا اللّه لا حصول الجنة.
المسألة الثانية : قصة أصحاب الأخدود ولا سيما هذه الآية تدل على أن المكره على / الكفر بالإهلاك العظيم الأولى له أن يصبر على ما خوف منه، وأن إظهار كلمة الكفر كالرخصة في ذلك
روى الحسن أن مسيلمة أخذ رجلين من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقال لأحدهما : تشهد أني رسول اللّه فقال : نعم فتركه، وقال للآخر مثله فقال : لا بل أنت كذاب فقتله فقال عليه السلام :«أما الذي ترك فأخذ بالرخصة فلا تبعة عليه، وأما الذي قتل فأخذ بالفضل فهنيئا له».
[سورة البروج (٨٥) : الآيات ١٢ إلى ١٦]
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦)


الصفحة التالية
Icon