مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٢
الأخفش والكسائي : واحدها لف بالكسر، وزاد الكسائي : لف بالضم، وأنكر المبرد الضم، وقال : بل واحدها لفاء. وجمعها لف، وجمع لف ألفاف، وقيل يحتمل أن يكون جمع لفيف كشريف وأشراف نقله القفال رحمه اللّه، إذا عرفت هذا فنقول قوله : وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً أي ملتفة، والمعنى أن كل جنة فإن ما فيها من الشجر تكون مجتمعة متقاربة، ألا تراهم يقولون امرأة لفاء إذا كانت غليظة الساق مجتمعة اللحم يبلغ من تقاربه أن يتلاصق.
المسألة الثالثة : كان الكعبي من القائلين بالطبائع، فاحتج بقوله تعالى : لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً وقال : إنه يدل على بطلان قول من قال إن اللّه تعالى لا يفعل شيئا بواسطة شيء آخر.
[سورة النبإ (٧٨) : آية ١٧]
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧)
اعلم أن التسعة التي عددها اللّه تعالى نظرا إلى حدوثها في ذواتها وصفاتها، ونظرا إلى إمكانها في ذواتها وصفاتها تدل على القادر المختار، ونظرا إلى ما فيها من الإحكام والإتقان تدل على أن فاعلها عالم، ثم إن ذلك الفاعل القديم يجب أن يكون علمه وقدرته واجبين، إذ لو كانا جائزين لافتقر إلى فاعل آخر ويلزم التسلسل وهو محال، وإذا كان العلم والقدرة واجبين وجب تعلقهما بكل ما صح أن يكون مقدورا ومعلوما وإلا لافتقر إلى المخصص وهو محال، وإذا كان كذلك وجب أن يكون قادرا على جميع الممكنات عالما بجميع المعلومات، وقد ثبت الإمكان وثبت عموم القدرة في الجسمية فكل ما صح على واحد منها صح على الآخر، فكما يصح على الأجسام السلفية الانشقاق والانفطار والظلمة وجب أن يصح ذلك على الأجسام، وإذا ثبت الإمكان وثبت عموم القدرة والعلم، ثبت أنه تعالى قادر على تخريب الدنيا، وقادر إيجاد عالم آخر، وعند ذلك ثبت أن القول بقيام القيامة ممكن عقلا وإلى هاهنا يمكن إثباته بالعقل، فأما ما وراء ذلك من وقت حدوثها وكيفية حدوثها فلا سبيل إليه إلا بالسمع، ثم إنه تعالى تكلم في هذه الأشياء بقوله : إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً ثم إنه تعالى ذكر بعض أحوال القيامة فأولها : قوله : إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً والمعنى أن هذا اليوم كان في تقدير اللّه، وحكمه حدا تؤقت به الدنيا، أو حدا للخلائق ينتهون إليه، أو كان ميقاتا لما وعد اللّه من الثواب والعقاب، أو كان ميقاتا لاجتماع كل الخلائق في فصل الحكومات وقطع الخصومات.
وثانيها : قوله تعالى :
[سورة النبإ (٧٨) : آية ١٨]
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨)
اعلم أن يَوْمَ يُنْفَخُ بدل من يوم الفصل، أو عطف بيان، وهذا النفخ هو النفخة الأخيرة التي عندها يكون الحشر، والنفخ في الصور فيه قولان : أحدهما : أن الصور جمع الصور، فالنفخ في الصور عبارة عن نفخ الأرواح في الأجساد والثاني : أن الصور عبارة عن قرن ينفخ فيه. وتمام الكلام في الصور وما قيل فيه قد تقدم في سورة الزمر، وقوله : فَتَأْتُونَ أَفْواجاً معناه أنهم يأتون ذلك المقام فوجا فوجا حتى يتكامل اجتماعهم. قال عطاء كل نبي يأتي مع أمته، ونظيره قوله تعالى : يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء : ٧١] وقيل جماعات مختلفة،
روى صاحب «الكشاف» عن معاذ أنه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنه، فقال عليه السلام : يا معاذ سألت عن أمر عظيم من الأمور، ثم أرسل عينيه وقال : يحشر عشرة أصناف من أمتي بعضهم على صورة القردة، وبعضهم على


الصفحة التالية
Icon