مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٢٦
أما على الوجه الثاني وهو أن يكون الاسم صلة ويكون المعنى سبح ربك وهو اختيار جمع من المحققين، قالوا : لأن الاسم في الحقيقة لفظة مؤلفة من حروف ولا يجب تنزيهها كما يجب في اللّه تعالى، ولكن المذكور إذا كان في غاية العظمة لا يذكر هو بل يذكر اسمه فيقال : سبح اسمه، ومجد ذكره، كما يقال : سلام على المجلس العالي، وقال لبيد :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
أي السلام وهذه طريقة مشهورة في اللغة، ونقول على هذا الوجه : تسبيح اللّه يحتمل وجهين الأول : أن لا يعامل الكفار معاملة يقدمون بسببها على ذكر اللّه، بما لا ينبغي على ما قال : وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام : ١٠٨]، الثاني : أنه عبارة عن تنزيه اللّه تعالى عن كل ما لا يليق به، في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، وفي أسمائه وفي أحكامه، أما في ذاته فأن يعتقد أنها ليست من الجواهر والأعراض، وأما في صفاته، فأن يعتقد أنها ليست محدثة ولا متناهية ولا ناقصة، وأما في أفعاله فأن يعتقد أنه مالك مطلق، فلا اعتراض لأحد عليه في أمر من الأمور، وقالت المعتزلة هو أن يعتقد أن كل ما فعله فهو صواب حسن، وأنه لا يفعل القبيح ولا يرضى به، وأما في أسمائه فأن لا يذكر سبحانه إلا بالأسماء التي ورد التوقيف بها، هذا عندنا وأما عند المعتزلة فهو أن لا يذكر إلا بالأسماء التي لا توهم نقصا بوجه من الوجوه سواء ورد الإذن بها أو لم يرد، وأما في أحكامه فهو أن يعلم أنه ما كلفنا لنفع يعود إليه. بل إما لمحض المالكية على ما هو قولنا، أو لرعاية مصالح العباد على ما [هو] قول المعتزلة.
المسألة الثانية : من الناس من تمسك بهذه الآية في أن الإسم نفس المسمى، فأقول : إن الخوض في الاستدلال لا يمكن إلا بعد تلخيص محل النزاع، فلا بد هاهنا من بيان أن الإسم ما هو والمسمى ما هو حتى يمكننا أن نخوض في الاسم هل هو نفس المسمى أم لا، فنقول : وإن كان المراد من الاسم هو هذا اللفظ، وبالمسمى تلك الذات، فالعاقل لا يمكنه أن يقول : الاسم هو المسمى، وإن كان المراد، من الاسم هو تلك الذات، وبالمسمى أيضا تلك الذات كان قولنا الاسم نفس المسمى، هو أن تلك الذات نفس تلك الذات، وهذا لا يمكن أن ينازع فيه عاقل، فعلمنا أن هذه المسألة في وصفها ركيكة. وإن كان كذلك كان الخوض في ذكر الاستدلال عليه أرك وأبعد بل هاهنا دقيقة، وهي أن قولنا : اسم لفظة جعلناها اسما لكل ما دل على معنى غير مقترن بزمان، والاسم كذلك فيلزم أن يكون الاسم اسما لنفسه فههنا الاسم نفس المسمى فلعل العلماء الأولين ذكروا ذلك فاشتبه الأمر على المتأخرين، وظنوا أن الاسم في جميع المواضع نفس المسمى، هذا حاصل التحقيق في هذه المسألة، ولنرجع إلى الكلام المألوف، قالوا : الذي يدل على أن الاسم نفس المسمى أن أحدا لا يقول سبحان اسم اللّه وسبحان اسم ربنا فمعنى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ سبح ربك، والرب أيضا اسم فلو كان غير المسمى لم يجز أن يقع التسبيح عليه، واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف لما بينا / في المسألة الأولى أنه يمكن أن يكون الأمر واردا بتسبيح الاسم، ويمكن أن يكون المراد تسبيح المسمى وذكر الاسم صلة فيه. ويمكن أن يكون المراد سبح باسم ربك كما يقال : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة : ٧٤] ويكون المعنى سبح ربك بذكر أسمائه.
المسألة الثالثة :
روى عن عقبة بن عامر أنه لما نزل قوله تعالى : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال لنا رسول


الصفحة التالية
Icon