مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٤٩
لأنه قرن به قوله : وَلَيالٍ عَشْرٍ ولأنه أول شهر هذه العبادة المعظمة الثالث : المراد فجر المحرم، أقسم به لأنه أول يوم من كل سنة وعند ذلك يحدث أمورا كثيرة مما يتكرر بالسنين كالحج والصوم والزكاة واستئناف الحساب بشهور الأهلة، وفي الخبر «إن أعظم الشهور عند اللّه المحرم»،
وعن ابن عباس أنه قال : فجر السنة هو المحرم فجعل جملة المحرم فجرا ورابعها : أنه عنى بالفجر العيون التي تنفجر منها المياه، وفيها حياة الخلق، أما قوله : وَلَيالٍ عَشْرٍ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : إنما جاءت منكرة من بين ما أقسم اللّه به لأنها ليال مخصوصة بفضائل لا تحصل في غيرها والتنكير دال على الفضيلة العظيمة.
المسألة الثانية : ذكروا فيه وجوها أحدها : أنها عشر ذي الحجة لأنها أيام الاشتغال بهذا النسك في الجملة، وفي الخبر ما من أيام العمل الصالح فيه أفضل من أيام العشر
وثانيها : أنها عشر المحرم من أوله إلى آخره، وهو تنبيه على شرف تلك الأيام، وفيها يوم عاشوراء ولصومه من الفضل ما ورد به الأخبار وثالثها : أنها العشر الأواخر من شهر رمضان، أقسم اللّه تعالى بها لشرفها وفيها ليلة القدر، إذ
في الخبر «اطلبوها في العشر الأخير من رمضان»،
وكان عليه الصلاة والسلام، إذا دخل العشر الأخير من رمضان شد المئزر، وأيقظ أهله أي كف عن الجماع وأمر أهله بالتهجد، وأما قوله : وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : الشفع والوتر، هو الذي تسميه العرب الخسا والزكا والعامة الزوج والفرد، قال يونس :
أهل العالية يقولون الوتر بالفتح في العدد والوتر بالكسر في الذحل وتميم تقول وتر بالكسر فيهما معا، وتقول أوترته أوتره إيتارا أي جعلته وترا، ومنه
قوله عليه الصلاة والسلام :«من استجمر فليوتر»
والكسر قراءة الحسن والأعمش وابن عباس، والفتح قراءة أهل المدينة وهي لغة حجازية.
المسألة الثانية : اضطرب المفسرون في تفسير الشفع والوتر، وأكثروا فيه، ونحن نرى ما هو الأقرب أحدها : أن الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة، وإنما أقسم اللّه بهما لشرفهما أما يوم عرفة فهو الذي عليه يدور أمر الحج كما
في الحديث «الحج عرفة»،
وأما يوم النحر فيقع فيه القربان وأكثر أمور الحج من الطواف المفروض، والحلق والرمي، ويروى «يوم النحر هو يوم الحج الأكبر»
فلما اختص هذان اليومان بهذه الفضائل لا جرم أقسم اللّه بهما وثانيها : أن أيام التشريق أيام بقية أعمال الحج فهي أيام شريفة، قال اللّه تعالى : وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة : ٢٠٣] والشفع هو يومان بعد يوم النحر، الوتر هو اليوم الثالث، ومن ذهب إلى هذا القول قال : حمل الشفع والوتر على هذا أولى من حملهما على العيد وعرفة من وجهين الأول : أن العيد وعرفة دخلا في العشر، فوجب أن يكون المراد بالشفع والوتر غيرهما الثاني : أن بعض أعمال الحج إنما يحصل في هذه الأيام، فحمل اللفظ على هذا يفيد القسم بجميع أيام أعمال المناسك وثالثها :
الوتر آدم شفع بزوجته، وفي رواية أخرى الشفع آدم وحواء والوتر هو اللّه تعالى
ورابعها :
الوتر ما كان وترا من الصلوات كالمغرب والشفع ما كان شفعا منها،
روى عمران بن الحصين عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«هي الصلوات منها شفع ومنها وتر»
وإنما أقسم اللّه بها لأن الصلاة تالية للإيمان، ولا يخفى قدرها ومحلها من العبادات وخامسها : الشفع هو الخلق كله لقوله تعالى : وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ [الذاريات :
٤٩] وقوله : وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً [النبأ : ٨] والوتر هو اللّه تعالى، وقال بعض المتكلمين : لا يصح أن يقال


الصفحة التالية
Icon