مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٧٤
حصلت هذه الموافقة استجازوا إمالته / كما استجازوا إمالة ما كان من الياء، وأما وجه من ترك الإمالة مطلقا فهو أن كثيرا من العرب لا يميلون هذه الألفات ولا ينحون فيها نحو الياء، ويقوى ترك الإمالة للألف أن الواو في موسر منقلبة عن الياء، والياء في ميقات وميزان منقلبة عن الواو ولم يلزم من ذلك أن يحصل فيه ما يدل على ذلك الانقلاب، فكذا هاهنا ينبغي أن تترك الألف غير ممالة ولا ينحى بها نحو الياء، وأما إمالة البعض وترك إمالة البعض، كما فعله حمزة فحسن أيضا، وذلك لأن الألف إنما تمال نحو الياء لتدل على الياء إذا كان انقلابها عن الياء ولم يكن في تلاها وطحاها ودحاها ألف منقلبة عن الياء إنما هي منقلبة عن الواو بدلالة تلوت ودحوت.
المسألة الرابعة : أن اللّه تعالى قد أقسم بسبعة أشياء إلى قوله : قَدْ أَفْلَحَ [الشمس : ٩] وهو جواب القسم، قال الزجاج : المعنى لقد أفلح، لكن اللام حذفت لأن الكلام طال فصار طوله عوضا منها.
قوله تعالى : وَالشَّمْسِ وَضُحاها ذكر المفسرون في ضحاها ثلاثة أقوال قال مجاهد والكلبي : ضوؤها، وقال قتادة : هو النهار كله، وهو اختيار الفراء وابن قتيبة، وقال مقاتل : هو حر الشمس، وتقرير ذلك بحسب اللغة أن نقول : قال الليث : الضحو ارتفاع النهار، والضحى فويق ذلك، والضحاء ممدودا امتد النهار، وقرب أن ينتصف.
وقال أبو الهيثم : الضح نقيض الظل وهو نور الشمس على وجه الأرض وأصله الضحى، فاستثقلوا الياء مع سكون الحاء فقلبوها وقال : ضح، فالضحى هو ضوء الشمس ونورها ثم سمى به الوقت الذي تشرق فيه الشمس على ما في قوله تعالى : إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها [النازعات : ٤٦] فمن قال من المفسرين : في ضحاها ضوؤها فهو على الأصل، وكذا من قال : هو النهار كله، لأن جميع النهار هو من نور الشمس، ومن قال : في الضحى إنه حر الشمس فلأن حرها ونورها متلازمان، فمتى اشتد حرها فقد اشتد ضؤوها وبالعكس، وهذا أضعف الأقوال، واعلم أنه تعالى إنما أقسم بالشمس وضحاها لكثرة ما تعلق بها من المصالح، فإن أهل العالم كانوا كالأموات في الليل، فلما ظهر أثر الصبح في المشرق صار ذلك كالصور الذي ينفخ قوة الحياة، فصارت الأموات أحياء، ولا تزال تلك الحياة في الازدياد والقوة والتكامل، ويكون غاية كمالها وقت الضحوة، فهذه الحالة تشبه أحوال القيامة، ووقت الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها، وقوله : وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها قال الليل : تلا يتلو إذا تبع شيئا وفي كون القمر تاليا وجوه أحدها : بقاء القمر طالعا عند غروب الشمس، وذلك إنما يكون في النصف الأول من الشهر إذا غربت الشمس، فإذا القمر يتبعها في الإضاءة، وهو قول عطاء عن ابن عباس وثانيها : أن الشمس إذا غربت فالقمر يتبعها ليلة الهلال في الغروب، وهو قول قتادة والكلبي وثالثها : قال الفراء : المراد من هذا التلو هو أن القمر يأخذ الضوء من الشمس يقال : فلان يتبع فلانا في كذا أي يأخذ منه ورابعها : قال الزجاج : تلاها حين استدار وكمل، فكأنه يتلو الشمس في الضياء والنور يعني إذا كمل ضوؤه فصار كالقائم مقام الشمس في الإنارة، وذلك في الليالي / البيض وخامسها : أنه يتلوها في كبر الجرم بحسب الحس، وفي ارتباط مصالح هذا العالم بحركته، ولقد ظهر في علم النجوم أن بينهما من المناسبة ما ليس بين الشمس وبين غيرها.
[سورة الشمس (٩١) : آية ٣]
وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣)
معنى التجلية الإظهار، والكشف والضمير في جلاها إلى ماذا يعود؟ فيه وجهان أحدهما : وهو قول الزجاج : أنه عائد إلى الشمس وذلك لأن النهار عبارة عن نور الشمس. فكلما كان النهار أجلى ظهورا كانت


الصفحة التالية
Icon