مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٧٩
تعالى : كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ [الحاقة : ٤] أي بالعذاب الذي حل بها، ثم قال : فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [الحاقة : ٥] فسمى ما أهلكوا به من العذاب طاغية.
[سورة الشمس (٩١) : آية ١٢]
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢)
انبعث مطاوع بعث يقال : بعثت فلانا على الأمر فانبعث له، والمعنى أنه كذبت ثمود بسبب طغيانهم حين انبعث أشقاها وهو عاقر الناقة وفيه قولان : أحدهما : أنه شخص معين واسمه قدار بن سالف ويضرب به المثل يقال : أشأم من قدار، وهو أشقى الأولين بفتوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والثاني : يجوز أن يكونوا جماعة، وإنما جاء على لفظ الوحدان لتسويتك في أفعل التفضيل إذا أضفته بين الواحد والجمع والمذكر والمؤنث تقول : هذان أفضل الناس وهؤلاء أفضلهم، وهذا يتأكد بقوله : فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها [الشمس : ١٤] وكان يجوز أن يقال أشقوها كما يقال أفاضلهم. / أما قوله تعالى :
[سورة الشمس (٩١) : آية ١٣]
فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣)
ففيه مسائل :
المسألة الأولى : المراد من الرسول صالح عليه السلام ناقَةَ اللَّهِ أي أنه أشار إليه لما هموا بعقرها وبلغه ما عزموا عليه، وقال لهم هي : ناقة اللّه وآيته الدالة على توحيده وعلى نبوتي، فاحذروا أن تقوموا عليها بسوء، واحذروا أيضا أن تمنعوها من سقياها، وقد بينا في مواضع من هذا الكتاب أنه كان لها شرب يوم ولهم ولمواشيهم شرب يوم، وكانوا يستضرون بذلك في أمر مواشيهم، فهموا بعقرها، وكان صالح عليه السلام يحذرهم حالا بعد حال من عذاب ينزل بهم إن أقدموا على ذلك، وكانت هذه الحالة متصورة في نفوسهم، فاقتصر على أن قال لهم : ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها لأن هذه الإشارة كافية مع الأمور المتقدمة التي ذكرناها.
المسألة الثانية : ناقَةَ اللَّهِ نصب على التحذير، كقولك الأسد الأسد، والصبي الصبي بإضمار ذروا عقرها واحذروا سقياها، فلا تمنعوها عنها، ولا تستأثروا بها عليها.
[سورة الشمس (٩١) : آية ١٤]
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤)
ثم بين تعالى أن القوم لم يمتنعوا عن تكذيب صالح، وعن عقر الناقة بسبب العذاب الذي أنذرهم اللّه تعالى به وهو المراد بقوله : فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها ثم يجوز أن يكون المباشر للعقر واحدا وهو قدار، فيضاف الفعل إليه بالمباشرة، كما قال : فتعاطى فعقر ويضاف الفعل إلى الجماعة لرضاهم بما فعل ذلك الواحد. قال قتادة : ذكر لنا أنه أبى أن يعقرها حتى بايعه صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم، وهو قول أكثر المفسرين. وقال الفراء : قيل إنهما كانا إثنين.
أما قوله تعالى : فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها فاعلم أن في الدمدمة وجوها أحدها : قال الزجاج : معنى دمدم أطبق عليهم العذاب، يقال : دمدمت على الشيء إذا أطبقت عليه، ويقال : ناقة مدمومة، أي قد ألبسها الشحم، فإذا كررت الإطباق قلت دمدمت عليه. قال الواحدي : الدم في اللغة اللطخ، ويقال للشيء السمين : كأنما دم بالشحم دما، فجعل الزجاج دمدم من هذا الحرف على التضعيف نحو كبكبوا وبابه،


الصفحة التالية
Icon