مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٩١
قوله : وَاسْجُدِي وَارْكَعِي [آل عمران : ٤٣] ثم قدم الركوع على السجود في قوله : ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج : ٧٧] وثانيها : أنه تعالى قدم الليل على النهار في سورة أبي بكر لأن أبا بكر سبقه كفر، وهاهنا قدم الضحى لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما سبقه ذنب وثالثها : سورة والليل سورة أبي بكر، وسورة الضحى سورة محمد عليه الصلاة والسلام ثم ما جعل بينهما واسطة ليعلم أنه لا واسطة بين محمد وأبي بكر، فإذا ذكرت الليل أولا وهو أبو بكر، ثم صعدت وجدت بعده النهار وهو محمد، وإن ذكرت والضحى أولا وهو محمد، ثم نزلت وجدت بعده، والليل وهو أبو بكر، ليعلم أنه لا واسطة بينهما.
السؤال الثاني : ما الحكمة هاهنا في الحلف بالضحى والليل فقط؟ والجواب : لوجوه أحدها : كأنه تعالى يقول : الزمان ساعة، فساعة ساعة ليل، وساعة نهار، ثم يزداد فمرة تزداد ساعات الليل وتنقص ساعات النهار، ومرة بالعكس فلا تكون الزيادة لهوى ولا النقصان لقلى بل للحكمة، كذا الرسالة وإنزال الوحي بحسب المصالح فمرة إنزال ومرة حبس، فلا كان الإنزال عن هوى، ولا كان الحبس عن قلى وثانيها : أن العالم لا يؤثر كلامه حتى يعمل به، فلما أمر اللّه تعالى بأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، لم يكن بد من أن يعمل به، فالكفار لما ادعوا أن ربه ودعه وقلاه، قال : هاتوا الحجة فعجزوا فلزمه اليمين بأنه ما ودعه ربه وما قلاه وثانيها : كأنه تعالى يقول : انظروا إلى جوار الليل مع النهار لا يسلم أحدهما عن الآخر بل الليل تارة يغلب وتارة يغلب فكيف تطمع أن تسلم على الخلق.
السؤال الثالث : لم خص وقت الضحى بالذكر؟ الجواب : فيه وجوه أحدها : أنه وقت اجتماع الناس وكمال الأنس بعد الاستيحاش في زمان الليل، فبشروه أن بعد استيحاشك بسبب احتباس الوحي يظهر ضحى نزول الوحي وثانيها : أنها الساعة التي كلم فيها موسى ربه، وألقى فيها السحرة سجدا، فاكتسى الزمان صفة الفضيلة لكونه ظرفا، فكيف فاعل الطاعة! وأفاد أيضا أن الذي أكرم موسى لا يدع إكرامك، والذي قلب قلوب السحرة حتى سجدوا يقلب قلوب أعدائك.
السؤال الرابع : ما السبب في أنه ذكر الضحى وهو ساعة من النهار، وذكر الليل بكليته؟ الجواب : فيه وجوه أنه إشارة إلى أن ساعة من النهار توازي جميع الليل كما أن محمدا إذا وزن يوازي جميع الأنبياء والثاني : أن النهار وقت السرور والراحة، والليل وقت الوحشة والغم فهو إشارة إلى أن هموم الدنيا أدوم من سرورها، فإن الضحى ساعة والليل كذا ساعات،
يروى أن اللّه تعالى لما خلق العرش أظلت غمامة سوداء عن يساره ونادت ماذا أمطر؟ فأجيبت أن امطري الهموم والأحزان مائة سنة، ثم انكشفت فأمرت مرة أخرى بذلك وهكذا إلى تمام ثلاثمائة سنة، ثم بعد ذلك أظلت عن يمين العرش غمامة بيضاء ونادت : ماذا أمطر؟ فأجيبت أن أمطري السرور ساعة،
فلهذا السبب ترى الغموم والأحزان دائمة، والسرور قليلا / ونادرا وثالثها : أن وقت الضحى وقت حركة الناس وتعارفهم فصارت نظير وقت الحشر، والليل إذا سكن نظير سكون الناس في ظلمة القبور، فكلاهما حكمة ونعمة لكن الفضيلة للحياة على الموت، ولما بعد الموت على ما قبله، فلهذا السبب قدم ذكر الضحى على ذكر الليل ورابعها : ذكروا الضحى حتى لا يحصل اليأس من روحه، ثم عقبه بالليل حتى لا يحصل الأمن من مكره.
السؤال الخامس : هل أحد من المذكرين فسر الضحى بوجه محمد والليل بشعره؟ والجواب : نعم ولا