مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٩٧
أمة محمد : ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ [المجادلة : ٧] فشتان بين أمة رابعهم كلبهم، وبين أمة رابعهم ربهم.
السؤال الثاني : أنه تعالى من عليه بثلاثة أشياء، ثم أمره بأن يذكر نعمة ربه، فما وجه المناسبة بين هذه الأشياء؟ الجواب : وجه المناسبة أن نقول : قضاء الدين واجب، ثم الدين نوعان مالي وإنعامي والثاني : أقوى وجوبا، لأن المالي قد يسقط بالإبراء والثاني : يتأكد بالإبراء، والمالي يقضي مرة فينجو الإنسان منه والثاني :
يجب عليك قضاؤه طول عمرك، ثم إذا تعذر قضاء النعمة القليلة من منعم هو مملوك، فكيف حال النعمة العظيمة من المنعم العظيم، فكأن العبد يقول : إلهي أخرجتني من العدم إلى الوجود بشرا سويا، طاهر الظاهر نجس الباطن، بشارة منك أن تستر على ذنوبي بستر عفوك، كما سترت نجاستي بالجلد الظاهر، فكيف يمكنني قضاء نعمتك التي لا حد لها ولا حصر؟ فيقول تعالى الطريق إلى ذلك أن تفعل في حق عبيدي ما فعلته في حقك، كنت يتيما فآويتك فافعل في حق الأيتام ذلك، وكنت ضالا فهديتك فافعل في حق عبيدي ذلك، وكنت عائلا فأغنيتك فافعل في حق عبيدي ذلك ثم إن فعلت كل ذلك فاعلم أنك إنما فعلتها بتوفيقي لك ولطفي وإرشادي، فكن أبدا ذاكرا لهذه النعم والألطاف. أما قوله تعالى :
[سورة الضحى (٩٣) : آية ٧]
وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧)
فاعلم أن بعض الناس ذهب إلى أنه كان كافرا في أول الأمر، ثم هداه اللّه وجعله نبيا، قال الكلبي :
وَجَدَكَ ضَالًّا يعني كافرا في قوم ضلال فهداك للتوحيد، وقال السدي : كان على دين قومه أربعين سنة، وقال مجاهد : وجدك ضالا عن الهدى لدينه واحتجوا على ذلك بآيات أخر منها قوله : ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشورى : ٥٢] وقوله : وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ [يوسف : ٣] وقوله : لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر : ٦٥] فهذا يقتضي صحة ذلك منه، وإذا دلت هذه الآية على الصحة وجب حمل قوله :
وَوَجَدَكَ ضَالًّا عليه، وأما الجمهور من العلماء فقد اتفقوا على أنه عليه السلام ما كفر باللّه لحظة واحدة، ثم قالت المعتزلة : هذا غير جائز عقلا لما فيه من التنفير، وعند أصحابنا هذا غير ممتنع عقلا لأنه جائز في العقول أن يكون الشخص كافرا فيرزقه اللّه الإيمان ويكرمه بالنبوة، إلا أن الدليل السمعي قام على أن هذا الجائز لم يقع وهو قوله تعالى : ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى [النجم : ٢] ثم ذكروا في تفسير هذه الآية وجوها كثيرة أحدها : ما روي عن ابن عباس والحسن والضحاك وشهر بن حوشب : وجدك ضالا عن معالم النعمة / وأحكام الشريعة غافلا عنها فهداك إليها، وهو المراد من قوله : ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشورى : ٥٢] وقوله : وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ [يوسف : ٣] وثانيها : ضل عن مرضعته حليمة حين أرادت أن ترده إلى جده حتى دخلت إلى هبل وشكت ذلك إليه فتساقطت الأصنام، وسمعت صوتا يقول : إنما هلاكنا بيد هذا الصبي، وفيه حكاية طويلة وثالثها : ما
روي مرفوعا أنه عليه الصلاة والسلام قال :«ضللت عن جدي عبد المطلب وأنا صبي ضائع، كاد الجوع يقتلني، فهداني اللّه»
ذكره الضحاك، وذكر تعلقه بأستار الكعبة، وقوله :
يا رب رد ولدي محمدا اردده ربي واصطنع عندي يدا


الصفحة التالية
Icon