مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٢٠٠
بسبب جهلهم، وأنت صاحب العلم، فهداهم على يدك، وهاهنا سؤالات.
السؤال الأول : ما الحكمة في أنه تعالى اختار له اليتم؟ قلنا فيه وجوه أحدها : أن يعرف قدر اليتامى فيقوم بحقهم وصلاح أمرهم، ومن ذلك كان يوسف عليه السلام لا يشبع. فقيل له في ذلك : فقال أخاف أن أشبع فأنسى الجياع وثانيها : ليكون اليتيم مشاركا له في الاسم فيكرم لأجل ذلك، ومن ذلك
قال عليه السلام :«إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه، ووسعوا له في المجلس»
وثالثها : أن من كان له أب أو أم كان اعتماده عليهما، فسلب عنه الولدان حتى لا يعتمد من أول صباه إلى آخر عمره على أحد سوى اللّه، فيصير في طفوليته متشبها بإبراهيم عليه السلام في قوله : حسبي من سؤالي، علمه بحالي، وكجواب مريم : أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران : ٣٧]. ورابعها : أن العادة جارية بأن اليتيم لا تخفى عيوبه بل تظهر، وربما زادوا على الموجود فاختار تعالى له اليتيم، ليتأمل كل أحد في أحواله، ثم لا يجدوا عليه عيبا فيتفقون على نزاهته، فإذا اختاره اللّه للرسالة لم يجدوا عليه مطعنا وخامسها : جعله يتيما ليعلم كل أحد أن فضيلته من اللّه ابتداء لأن الذي له أب، فإن أباه يسعى في تعليمه وتأديبه وسادسها : أن اليتم والفقر نقص في حق / الخلق، فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام، مع هذين الوصفين أكرم الخلق، كان ذلك قلبا للعادة، فكان من جنس المعجزات.
السؤال الثاني : ما الحكمة في أن اللّه ذكر هذه الأشياء؟ الجواب : الحكمة أن لا ينسى نفسه فيقع في العجب.
السؤال الثالث :
روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال :«سألت ربي مسألة وددت أني لم أسألها، قلت : اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسى تكليما، وسخرت مع داود الجبال، وأعطيت سليمان كذا وكذا، وأعطيت فلانا كذا وكذا، فقال : ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قلت : بلى.
فقال : ألم أشرح لك صدرك؟ قلت : بلى، قال : ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت : بلى! قال : ألم أصرف عنك وزرك؟
قلت : بلى، ألم أوتك ما لم أوت نبيا قبلك وهي خواتيم سورة البقرة؟ أم أتخذك خليلا كما اتخذت إبراهيم خليلا؟»

فهل يصح هذا الحديث قلنا : طعن القاضي في هذا الخبر فقال : إن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون مثل ذلك إلا عن إذن، فكيف يصح أن يقع من الرسول مثل هذا السؤال. ويكون منه تعالى ما يجري مجرى المعاتبة.
[سورة الضحى (٩٣) : آية ٩]
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩)
وقرئ فلا تكهر، أي لا تعبس وجهك إليه، والمعنى عامله بمثل ما عاملتك به، ونظيره من وجه :
وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص : ٧٧] ومنه
قوله عليه السلام :«اللّه اللّه فيمن ليس له إلا اللّه»
وروي : أنها نزلت حين صاح النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على ولد خديجة
ومنه
حديث موسى عليه السلام حين :«قال : إلهي بم نلت ما نلت؟ قال : أتذكر حين هربت منك السخلة، فلما قدرت عليها قلت : أتعبت نفسك ثم حملتها، فلهذا السبب جعلتك وليا على الخلق،
فلما نال موسى عليه السلام النبوة بالإحسان إلى الشاة فكيف بالإحسان إلى اليتيم، وإذا كان هذا العتاب بمجرد الصياح أو العبوسية في الوجه، فكيف إذا أذله أو أكل ماله،
عن أنس عن النبي عليه الصلاة والسلام :«إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن، ويقول تعالى : من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والده التراب، من أسكته فله الجنة»
.
ثم قال تعالى :
[سورة الضحى (٩٣) : آية ١٠]
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠)


الصفحة التالية
Icon