مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٢٧
لولا أن الأمر كذلك، وإلا لم يكن نظر الرجل في الثواب والعقاب على عمله بل على شيء آخر والجواب عنه :
أن العمل يوجب الثواب والعقاب، لكن بحكم الوعد والجعل لا بحكم الذات.
أما قوله تعالى : يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
ففيه وجوه : أحدها أن يوم القيامة ينظر المرء أي شيء قدمت يداه، أما المؤمن فإنه يجد الإيمان والعفو عن سائر المعاصي على ما قال : وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وأما الكافر فلا يتوقع العفو على ما قال : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء : ٤٨] فعند ذلك يقول الكافر : ا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
أي لم يكن حيا مكلفا وثانيها : أنه كان قبل البعث ترابا، فالمعنى على هذا.
يا ليتني لم أبعث للحساب، وبقيت كما كنت ترابا، كقوله تعالى : يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ [الحاقة : ٢٧] وقوله : يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ [النساء : ٤٢] وثالثها : أن البهائم تحشر فيقتص للجماء من القرناء ثم يقال لها بعد المحاسبة : كوني ترابا فيتمنى الكافر عند ذلك أن يكون هو مثل تلك البهائم في أن يصير ترابا، ويتخلص من عذاب اللّه وأنكر بعض المعتزلة ذلك. وقال : إنه تعالى إذا أعادها فهي بين معوض وبين متفضل عليه، وإذا كان كذلك لم يجز أن يقطعها عن المنافع، لأن ذلك كالإضرار بها، ولا يجوز ذلك في الآخرة، ثم إن هؤلاء قالوا : إن هذه الحيوانات إذا انتهت مدة أعواضها جعل اللّه كل ما كان منها حسن الصورة ثوابا لأهل الجنة، وما كان قبيح الصورة عقابا لأهل النار، قال القاضي : ولا يمتنع أيضا إذا وفر اللّه أعواضها وهي غير كاملة العقل أن يزيل اللّه حياتها على وجه لا يحصل لها شعور بالألم فلا يكون ذلك ضررا ورابعها : ما ذكره بعض الصوفية فقال قوله : ا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
معناه يا ليتني كنت متواضعا في طاعة اللّه ولم أكن متكبرا متمردا وخامسها : الكافر إبليس يرى آدم وولده وثوابهم، فيتمنى أن يكون الشيء الذي احتقره حين قال : خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص : ٧٦] واللّه أعلم بمراده وأسرار كتابه، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة.


الصفحة التالية
Icon