مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٩٣
فلعل المراد منه الإشارة إلى قوة شهوتهم وصحة أبدانهم، وهذا القول رواه سعيد بن جبير عن الأسود عن عائشة تقول المرأة لقد أخذت ختم طيني، أي لقد أخذت أخلاط طيني، قال أبو الدرداء هو شراب أبيض مثل الفضة، يحتمون به آخر شربهم، لو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل فيه يده ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد طيب ريحه.
الصفة الثانية : قوله تعالى : وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ قال الواحدي : يقال : نفست عليه الشيء أنفسه نفاسة إذا ضننت به ولم تحب أن يصير إليه، والتنافس تفاعل منه كأن كل واحد من الشخصين يريد أن يستأثر به، والمعنى : وفي ذلك فليرغب الراغبون بالمبادرة إلى طاعة اللّه.
وأعم أن مبالغة اللّه تعالى في الترغيب فيه تدل على علو شأنه، وفيه إشارة إلى أن التنافس يجب أن يكون في مثل ذلك النعيم العظيم الدائم، لا في النعيم الذي هو مكدر سريع الفناء.
الصفة الرابعة : قوله تعالى : وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : تسنيم علم لعين بعينها في الجنة سميت بالتسنيم الذي هو مصدر سنمه إذا رفعه، إما لأنها أرفع شراب في الجنة، وإما لأنها تأتيهم من فوق، على ما روي أنها تجري في الهواء مسنمة فتنصب في أوانيهم، وإما لأنها لأجل كثرة ملئها وسرعته تعلو على كل شيء تمر به وهو تسنيمه، أو لأنه عند الجري يرى فيه ارتفاع وانخفاض، فهو التسنيم أيضا، وذلك لأن أصل هذه الكلمة للعلو والارتفاع، ومنه سنام البعير وتسنمت الحائط إذا علوته، وأما قول المفسرين : فروى ميمون بن مهران أن ابن عباس سأل عن تسنيم، فقال هذا مما يقول اللّه : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة : ١٧] ويقرب منه ما قال الحسن :
وهو أنه أمر أخفاه اللّه تعالى لأهل الجنة قال الواحدي : وعلى هذا لا يعرف له اشتقاق وهو اسم معرفة، وعن عكرمة : مِنْ تَسْنِيمٍ من تشريف :
المسألة الثانية : أنه تعالى ذكر أن تسنيم عين يشرب بها المقربون، قال ابن عباس : أشرف شراب أهل الجنة هو تسنيم، لأنه يشربه المقربون صرفا، ويمزج لأصحاب اليمين.
واعلم أن اللّه تعالى لما قسم المكلفين في سورة الواقعة إلى ثلاثة أقسام : المقربون، وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال، ثم إنه تعالى لما ذكر كرامة المذكورين في هذه السورة بأنه يمزج شرابهم من عين يشرب بها المقربون علمنا أن المذكورين في هذا الموضع هم أصحاب اليمين، وأقول : هذا يدل على أن الأنهار متفاوتة في الفضيلة، فتسنيم أفضل أنهار الجنة، والمقربون أفضل أهل الجنة، والتسنيم في الجنة الروحانية هو معرفة اللّه ولذة النظر إلى وجه اللّه الكريم، والرحيق هو الابتهاج بمطالعة عالم الموجودات، فالمقربون لا يشربون إلا من التسنيم، أي لا يشتغلون إلا بمطالعة وجهه الكريم، وأصحاب اليمين يكون شرابهم ممزوجا، فتارة يكون نظرهم إليه وتارة إلى مخلوقاته.
المسألة الثالثة : عينا نصب على المدح وقال الزجاج : نصب على الحال، وقوله : يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ كقوله : يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ [الإنسان : ٦] وقد مر.
[سورة المطففين (٨٣) : الآيات ٢٩ إلى ٣٦]
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣)
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)


الصفحة التالية
Icon