مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ٩٧
الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه واستوى والثاني : أنه مأخوذ من مده بمعنى أمده أي يزاد في سعتها يوم القيامة لوقوف الخلائق عليها للحساب، واعلم أنه لا بد من الزيادة في وجه الأرض سواء كان ذلك بتمديدها أو بإمدادها، لأن خلق الأولين والآخرين لما كانوا واقفين يوم القيامة على ظهرها، فلا بد من الزيادة في طولها وعرضها، أما قوله : وَأَلْقَتْ ما فِيها فالمعنى أنها لما مدت رمت بما في جوفها من الموتى والكنوز، وهو كقوله : وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها [الزلزلة : ٢] وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الإنفطار : ٤] وبُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ [العاديات : ٩] وكقوله : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً [المرسلات : ٢٥، ٢٦] وأما قوله :
وَتَخَلَّتْ فالمعنى وخلت غاية الخلو حتى لم يبق في باطنها شيء كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو، كما يقال : تكرم الكريم، وترحم الرحيم. إذا بلغا جهدهما في الكرم الرحمة وتكلفا فوق ما في طبعهما، واعلم أن التحقيق أن اللّه تعالى هو الذي أخرج تلك الأشياء من بطن الأرض إلى ظهرها، لكن الأرض وصفت بذلك على سبيل التوسع، وأما قوله : وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ فقد تقدم تفسيره إلا أن الأول في السماء وهذا في الأرض، وإذا اختلف وجه الكلام لم يكن تكرارا.
[سورة الانشقاق (٨٤) : آية ٦]
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦)
اعلم أن قوله تعالى : إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ إلى قوله : يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ [الإنشقاق : ١- ٦] شرط ولا بد له من جزاء واختلفوا فيه على وجوه أحدها : قال صاحب «الكشاف» : حذف جواب إذا ليذهب الوهم إلى كل شيء فيكون أدخل في التهويل وثانيها : قال الفراء : إنما ترك الجواب لأن هذا المعنى معروف قد تردد في القرآن معناه فعرف، ونظيره قوله : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر : ١] ترك ذكر القرآن لأن التصريح به قد تقدم في سائر المواضع وثالثها : قال بعض المحققين : الجواب هو قوله : فَمُلاقِيهِ وقوله : يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً [الإنشقاق : ٦] معترض، وهو كقول القائل إذا كان كذا وكذا يا أيها الإنسان ترى عند ذلك ما عملت من خير أو شر، فكذا هاهنا. والتقدير إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله ورابعها : أن المعنى محمول على التقديم والتأخير فكأنه قيل : يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كادحا فملاقيه إذا السماء انشقت وقامت القيامة وخامسها : قال الكسائي : إن الجواب في قوله : فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ [الإنشقاق : ٧] واعترض في الكلام قوله : يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ والمعنى إذا السماء انشقت، وكان كذا وكذا من أوتي كتابه بيمينه فهو كذا ومن أوتي كتابه وراء ظهره فهو كذا، ونظيره قوله تعالى : فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [البقرة : ٣٨]، وسادسها : قال القاضي : إن الجواب ما دل عليه قوله : إِنَّكَ كادِحٌ كأنه تعالى قال : يا أيها الإنسان ترى ما عملت فاكدح لذلك اليوم أيها الإنسان لتفوز بالنعيم / أما قوله : يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ففيه قولان : الأول : أن المراد جنس الناس كما يقال : أيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل، فكذا هاهنا.
وكأنه خطاب خص به كل واحد من الناس، قال القفال : وهو أبلغ من العموم لأنه قائم مقام التخصيص على مخاطبة كل واحد منهم على التعيين بخلاف اللفظ العام فإنه لا يكون كذلك والثاني : أن المراد منه رجل بعينه، وهاهنا فيه قولان :
الأول : أن المراد به محمد صلّى اللّه عليه وسلّم والمعنى أنك تكدح في إبلاغ رسالات اللّه وإرشاد عباده وتحمل الضرر من الكفار، فأبشر فإنك تلقى اللّه بهذا العمل وهو غير ضائع عنده الثاني : قال ابن عباس : هو أبيّ بن خلف، وكدحه جده واجتهاده في طلب الدنيا، وإيذاء الرسول عليه السلام، والإصرار على الكفر، والأقرب أنه محمول على


الصفحة التالية
Icon