مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٢١
المسألة الرابعة : أول السورة يدل على مدح العلم وآخرها على مذمة المال، وكفى بذلك مرغبا في الدين والعلم ومنفرا عن الدنيا والمال. ثم قال تعالى :
[سورة العلق (٩٦) : آية ٨]
إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذا الكلام واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان تهديدا له وتحذيرا من عاقبة الطغيان.
المسألة الثانية : الرُّجْعى
المرجع والرجوع وهي بأجمعها مصادر، يقال : رجع إليه رجوعا / ومرجعا ورجعي على وزن فعلى، وفي معنى الآية وجهان : أحدهما : أنه يرى ثواب طاعته وعقاب تمرده وتكبره وطغيانه، ونظيره قوله : وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا إلى قوله : إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ [إبراهيم : ٤٢] وهذه الموعظة لا تؤثر إلا في قلب من له قدم صدق، أما الجاهل فيغضب ولا يعتقد إلا الفرح العاجل والقول الثاني : أنه تعالى يرده ويرجعه إلى النقصان والفقر والموت، كما رده من النقصان إلى الكمال، حيث نقله من الجمادية إلى الحياة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الذل إلى العز، فما هذا التعزز والقوة.
المسألة الثالثة :
روي أن أبا جهل قال للرسول عليه الصلاة والسلام : أتزعم أن من استغنى طغى، فاجعل لنا جبال مكة ذهبا وفضة لعلنا نأخذ منها فنطغى، فندع ديننا ونتبع دينك، فنزل جبريل وقال : إن شئت فعلنا ذلك، ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم مثل ما فعلنا بأصحاب المائدة، فكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الدعاء إبقاء عليهم.
[سورة العلق (٩٦) : الآيات ٩ إلى ١٠]
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : روي عن أبي جهل لعنه اللّه أنه قال : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا : نعم، قال : فوالذي يحلف به لئن رأيته لأطأن عنقه، ثم إنه رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الصلاة فنكص على عقبيه، فقالوا له : مالك يا أبا الحكم؟ فقال : إن بيني وبينه لخندقا من نار وهو لا شديدا. وعن الحسن أن أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة.
واعلم أن ظاهر الآية هو الإنسان المتقدم ذكره، فلذلك قالوا : إنه ورد في أبي جهل، وذكروا ما كان منه من التوعد لمحمد عليه الصلاة والسلام حين رآه يصلي، ولا يمتنع أن يكون نزولها في أبي جهل، ثم يعم في الكل، لكن ما بعده يقتضي أنه في رجل بعينه.
المسألة الثانية : قوله : أَرَأَيْتَ خطاب مع الرسول على سبيل التعجب، ووجه التعجب فيه أمور أحدها :
أنه عليه السلام قال : اللهم أعز الإسلام إما بأبي جهل بن هشام أو بعمر،
فكأنه تعالى قال له : كنت تظن أنه يعز به الإسلام، أمثله يعز به الإسلام، وهو ينهى عبدا إذا صلى وثانيها : أنه كان يلقب بأبي الحكم، فكأنه تعالى يقول : كيف يليق به هذا اللقب وهو ينهى العبد عن خدمة ربه، أيوصف بالحكمة من يمنع عن طاعة الرحمن ويسجد للأوثان! وثالثها : أن ذلك الأحمق يأمر وينهى، ويعتقد أنه يجب على الغير طاعته، مع أنه ليس


الصفحة التالية
Icon