مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٢٥
فطعنه، ولعل هذا معنى قوله : سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ثم لما عرف عجزه ولم يقدر أن يصعد على صدره لضعفه فارتقى إليه بحيلة، فلما رآه أبو جهل قال : يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا، فقال ابن مسعود :
الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، فقال أبو جهل : بلغ صاحبك أنه لم يكن أحد أبغض إلي منه في حياتي ولا أحد أبغض إلي منه في حال مماتي، فروي أنه عليه السلام لما سمع ذلك قال :«فرعوني أشد من فرعون موسى فإنه قال آمَنْتُ [يونس : ٩٠] وهو قد زاد عتوا» ثم قال لابن مسعود : اقطع رأسي بسيفي هذا لأنه أحد وأقطع، فلما قطع رأسه لم يقدر على حمله،
ولعل الحكيم سبحانه إنما خلقه ضعيفا لأجل أن لا يقوى على الحمل لوجوه : أحدها : أنه كلب والكلب يجر والثاني : لشق الأذن فيقتص الأذن بالأذن والثالث : لتحقيق الوعيد المذكور بقوله : لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ فتجر تلك الرأس على مقدمها، ثم إن ابن مسعود لما لم يطقه شق أذنه وجعل الخيط فيه وجعل يجره إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وجبريل بين يديه يضحك، ويقول : يا محمد أذن بأذن لكن الرأس هاهنا مع الأذن، فهذا ما روى في مقتل أبي جهل نقلته معنى لا لفظا، الخاطئ معنى قوله : لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ.
المسألة الرابعة : الناصية شعر الجبهة وقد يسمى مكان الشعر الناصية، ثم إنه تعالى كنى هاهنا عن الوجه والرأس بالناصية، ولعل السبب فيه أن أبا جهل كان شديد الاهتمام بترجيل تلك الناصية وتطييبها، وربما كان يهتم أيضا بتسويدها فأخبره اللّه تعالى أنه يسودها مع الوجه.
المسألة الخامسة : أنه تعالى عرف الناصية بحرف التعريف كأنه تعالى يقول : الناصية المعروفة عندكم ذاتها لكنها مجهولة عندكم صفاتها ناصية وأي ناصية كاذبة قولا خاطئة فعلا، وإنما وصف بالكذب لأنه كان كاذبا على اللّه تعالى في أنه لم يرسل محمدا وكاذبا على رسوله في أنه ساحر أو كذاب أو ليس بنبي، وقيل : كذبه أنه قال : أنا أكثر أهل هذا الوادي ناديا، ووصف الناصية بأنها خاطئة لأن صاحبها متمرد على اللّه تعالى قال اللّه تعالى : لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ [الحاقة : ٣٧] والفرق بين الخاطئ والمخطئ أن الخاطئ معاقب مؤاخذ والمخطئ غير مؤاخذ، ووصف الناصية بالخاطئة الكاذبة كما وصف الوجوه بأنها ناظرة في قوله تعالى : إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة : ٢٣].
المسألة السادسة : ناصِيَةٍ بدل من الناصية، وجاز إبدالها من المعرفة وهي نكرة، لأنها وصفت فاستقلت بفائدة.
المسألة السابعة : قرئ ناصية بالرفع والتقدير هي ناصية، وناصية بالنصب وكلاهما على الشتم، واعلم أن الرسول عليه السلام لما أغلظ في القول لأبي جهل وتلا عليه هذه الآيات، قال : يا محمد بمن تهددني وأني لأكثر هذا الوادي ناديا، فافتخر بجماعته الذين كانوا يأكلون حطامه، فنزل قوله تعالى :
[سورة العلق (٩٦) : الآيات ١٧ إلى ١٨]
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قد مر تفسير النادي عند قوله : وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [العنكبوت : ٢٩] قال أبو عبيدة : ناديه أي أهل مجلسه، وبالجملة فالمراد من النادي أهل النادي، ولا يسمى المكان ناديا حتى يكون فيه


الصفحة التالية
Icon