مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٣٥
إلي من زجل المسبحين»
فقالوا : تعالوا نذهب إلى الأرض فنسمع صوتا هو أحب إلى ربنا من صوت تسبيحنا، وكيف لا يكون أحب وزجل المسبحين إظهار لكمال حال المطيعين، وأنين العصاة إظهار لغفارية رب الأرض والسموات [و هذه هي المسألة الأولى ] «١».
المسألة الثانية : هذه الآية دالة على عصمة الملائكة ونظيرها قوله : وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [مريم : ٦٤] وقوله : لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ [الأنبياء : ٢٧] وفيها دقيقة وهي أنه تعالى لم يقل : مأذونين بل قال :
بإذن ربهم وهو إشارة إلى أنهم لا يتصرفون تصرفا ما إلا بإذنه، ومن ذلك قول الرجل لامرأته إن خرجت إلا بإذني، فإنه يعتبر الإذن في كل خرجة.
المسألة الثالثة : قوله : رَبِّهِمْ يفيد تعظيما للملائكة وتحقيرا للعصاة، كأنه تعالى قال : كانوا لي فكنت لهم، ونظيره في حقنا : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الأعراف : ٥٤] وقال لمحمد عليه السلام : وَإِذْ قالَ رَبُّكَ [البقرة : ٣٠] ونظيره ما
روي أن داود لما مرض مرض الموت قال : إلهي كن لسليمان كما كنت لي، فنزل الوحي وقال : قل لسليمان فليكن لي كما كنت لي،
وروي عن إبراهيم الخليل عليه السلام أنه فقد الضيف أياما فخرج بالسفرة ليلتمس ضيفا فإذا بخيمة، فنادى أتريدون الضيف؟ فقيل : نعم، فقال للمضيف : أيوجد عندك إدام لبن أو عسل؟ فرفع الرجل صخرتين فضرب إحداهما بالأخرى فانشقا فخرج من إحداهما اللبن ومن الأخرى العسل، فتعجب إبراهيم وقال : إلهي أنا خليلك ولم أجد مثل ذلك الإكرام، فماله؟
فنزل الوحي يا خليلي كان لنا فكنا له.
أما قوله تعالى : مِنْ كُلِّ أَمْرٍ فمعناه تنزل الملائكة والروح فيها من أجل كل أمر، والمعنى أن كل واحد منهم إنما نزل لمهم آخر، ثم ذكروا فيه وجوها أحدها : أنهم كانوا في أشغال كثيرة فبعضهم للركوع وبعضهم للسجود، وبعضهم بالدعاء، وكذا القول في التفكر والتعليم، وإبلاغ الوحي، وبعضهم لإدراك فضيلة الليلة أو ليسلموا على المؤمنين وثانيها : وهو قول الأكثرين / من أجل كل أمر قدر في تلك السنة من خير أو شر، وفيه إشارة إلى أن نزولهم إنما كان عبادة، فكأنهم قالوا : ما نزلنا إلى الأرض لهوى أنفسنا، لكن لأجل كل أمر فيه مصلحة المكلفين، وعم لفظ الأمر ليعم خير الدنيا والآخرة بيانا منه أنهم ينزلون بما هو صلاح المكلف في دينه ودنياه كأن السائل يقول : من أين جئت؟ فيقول : مالك وهذا الفضول، ولكن قل : لأي أمر جئت لأنه حظك وثالثها : قرأ بعضهم : من كل امرى أي من أجل كل إنسان، وروي أنهم لا يلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه،
قيل : أليس أنه
قد روي أنه تقسم الآجال والأرزاق ليلة النصف من شعبان،
والآن تقولون : إن ذلك يكون ليلة القدر؟ قلنا :
عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«إن اللّه يقدر المقادير في ليلة البراءة، فإذا كان ليلة القدر يسلمها إلى أربابها»
وقيل : يقدر ليلة البراءة الآجال والأرزاق، وليلة القدر يقدر الأمور التي فيها الخير والبركة والسلامة، وقيل : يقدر في ليلة القدر ما يتعلق به إعزاز الدين، وما فيه النفع العظيم للمسلمين، وأما ليلة البراءة فيكتب فيها أسماء من يموت ويسلم إلى ملك الموت. من فضائل هذه الليلة قوله تعالى :
[سورة القدر (٩٧) : آية ٥]
سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)

(١) ما بين القوسين المربعين زيادة دعا إليها عدم ترجمة المؤلف المسألة الأولى، أو لعلها قد سقطت من الناسخ.


الصفحة التالية
Icon