مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٥٥
[سورة الزلزلة (٩٩) : آية ٣]
وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣)
ففيه مسائل :
المسألة الأولى : مالها تزلزل هذه الزلزلة الشديدة ولفظت ما في بطنها، وذلك إما عند النفخة الأولى حين تلفظ ما فيها من الكنوز والدفائن، أو عند النفخة الثانية حين تلفظ ما فيها من الأموات.
المسألة الثانية : قيل : هذا قول الكافر وهو كما يقولون : مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [يس : ٥٢] فأما المؤمن فيقول : هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ [يس : ٥٢] وقيل : بل هو عام في حق المؤمن والكافر أي الإنسان الذي هو كنود جزوع ظلوم الذي من شأنه الغفلة والجهالة يقول : مالها وهو ليس بسؤال بل هو للتعجب لما يرى من العجائب التي لم تسمع بها الآذان ولا تطلق بها لسان، ولهذا قال الحسن : إنه للكافر والفاجر معا.
المسألة الثالثة : إنما قال : ما لَها على غير المواجهة لأنه يعاتب بهذا الكلام نفسه كأنه يقول : يا نفس ما للأرض تفعل ذلك يعني يا نفس أنت السبب فيه فإنه لولا معاصيك لما صارت الأرض كذلك فالكفار يقولون :
هذا الكلام والمؤمنون يقولون : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر : ٣٤] أما قوله تعالى :
[سورة الزلزلة (٩٩) : آية ٤]
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
فاعلم أن ابن مسعود قرأ : تنبئ أخبارها وسعيد بن جبير تنبئ «١» ثم فيه سؤالات :
الأول : أين مفعولا تُحَدِّثُ؟ الجواب : قد حذف أولهما والثاني أخبارها وأصله تحدث الخلق أخبارها إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيما.
السؤال الثاني : ما معنى تحديث الأرض؟ قلنا فيه وجوه : أحدها : وهو قول أبي مسلم يومئذ يتبين لكل أحد جزاء عمله فكأنها حدثت بذلك، كقولك الدار تحدثنا بأنها كانت مسكونة فكذا انتقاض الأرض بسبب الزلزلة تحدث أن الدنيا قد انقضت وأن الآخرة قد أقبلت والثاني : وهو قول الجمهور : أن اللّه تعالى يجعل الأرض حيوانا عاقلا ناطفا ويعرفها جميع ما عمل أهلها فحينئذ تشهد لمن أطاع وعلى من عصى،
قال عليه السلام :«إن الأرض لتخبر يوم القيامة بكل عمل عمل عليها» ثم تلا هذه الآية
وهذا على مذهبنا غير بعيد لأن البنية عندنا ليست شرطا لقبول الحياة، فالأرض مع بقائها على شكلها ويبسها وقشفها يخلق اللّه فيها الحياة والنطق، والمقصود كأن الأرض تشكو من العصاة / وتشكر من أطاع اللّه، فنقول : إن فلانا صلى وزكى وصام وحج في، وإن فلانا كفر وزنى وسرق وجار، حتى يود الكافر أن يساق إلى النار، وكان علي عليه السلام إذا فرغ بيت المال صلى فيه ركعتين ويقول : لتشهدن أني ملأتك بحق وفرغتك بحق
والقول الثالث : وهو قول المعتزلة :
أن الكلام يجوز خلقه في الجماد، فلا يبعد أن يخلق اللّه تعالى في الأرض حال كونها جمادا أصواتا مقطعة مخصوصة فيكون المتكلم والشاهد على هذا التقدير هو اللّه تعالى.
السؤال الثالث :(إذا) و(يومئذ) ما ناصبهما؟ الجواب :(يومئذ) بدل من إذا وناصبهما تُحَدِّثُ.