مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٦٨
وزنهما، خصوصا وقد نقضيا، بل المراد أن الصحف المكتوب فيها الحسنات والسيئات توزن، أو يجعل النور علامة الحسنات والظلمة علامة السيئات، أو تصور صحيفة الحسنات بالصورة الحسنة وصحيفة السيئات بالصورة القبيحة فيظهر بذلك الثقل والخفة، وتكون الفائدة في ذلك ظهور حال صاحب الحسنات في الجمع العظيم فيزداد سرورا، وظهور حال صاحب السيئات فيكون ذلك كالفضيحة له عند الخلائق. أما قوله تعالى :
[سورة القارعة (١٠١) : آية ٧]
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧)
فالعيشة مصدر بمعنى العيش، كالخيفة بمعنى الخوف، وأما الراضية فقال الزجاج : معناه أي عيشة ذات رضا يرضاها صاحبها وهي كقولهم لا بن وتامر بمعنى ذو لبن وذو تمر، ولهذا قال المفسرون : تفسيرها مرضية على معنى يرضاها صاحبها. ثم قال تعالى :
[سورة القارعة (١٠١) : آية ٨]
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨)
أي قلت حسناته فرجحت السيئات على الحسنات قال أبو بكر رضي اللّه عنه : إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفا، وقال مقاتل : إنما كان كذلك لأن الحق ثقيل والباطل خفيف. / أما قوله تعالى :
[سورة القارعة (١٠١) : آية ٩]
فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩)
ففيه وجوه : أحدها : أن الهاوية من أسماء النار وكأنها النار العميقة يهوى أهل النار فيها مهوى بعيدا، والمعنى فمأواه النار، وقيل : للمأوى أم على سبيل التشبيه بالأم التي لا يقع الفزع من الولد إلا إليها وثانيها : فأم رأسه هاوية في النار ذكره الأخفش والكلبي وقتادة قال : لأنهم يهوون في النار على رؤوسهم وثالثها : أنهم إذا دعوا على الرجل بالهلاك قالوا : هوت أمه لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه حزنا وثكلا، فكأنه قيل :
وأما من خفت موازينه فقد هلك. ثم قال تعالى :
[سورة القارعة (١٠١) : آية ١٠]
وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠)
قال صاحب (هيه) ضمير الداهية التي دل عليها قوله : فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ في التفسير الثالث : أو ضمير (هاوية) : والهاء للسكت فإذا وصل جاز حذفها والاختيار الوقف بالهاء لا تباع المصحف والهاء ثابتة فيه، وذكرنا الكلام في هذه الهاء عند قوله : لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة : ٢٥٩] فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام : ٩٠] ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ [الحاقة : ٢٨]. ثم قال تعالى :
[سورة القارعة (١٠١) : آية ١١]
نارٌ حامِيَةٌ (١١)
والمعنى أن سائر النيران بالنسبة إليها كأنها ليست حامية، وهذا القدر كاف في التنبيه على قوة سخونتها، نعوذ باللّه منها ومن جميع أنواع العذاب، ونسأله التوفيق وحسن المآب ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.


الصفحة التالية
Icon