مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٧٢
من ربك؟ والثالث عند النشور حين ينادي المنادي، فلان شقي شقاوة لا سعادة بعدها أبدا وحين يقال :
وَامْتازُوا الْيَوْمَ [يس : ٥٩] وثالثها : عن الضحاك سوف تعلمون أيها الكفار : ثم كلا سوف تعلمون أيها المؤمنون، وكان يقرؤها كذلك، فالأول وعيد والثاني وعدو رابعها : أن كل أحد يعلم قبح الظلم والكذب وحسن العدل والصدق لكن لا يعرف قدر آثارها ونتائجها، ثم إنه تعالى يقول : سوف تعلم العلم المفضل لكن التفضيل يحتمل الزائد فمهما حصلت زيادة لذة، ازداد علما، وكذا في جانب العقوبة فقسم ذلك على الأحوال، فعند المعاينة يزداد، ثم عند البعث، ثم عند الحساب، ثم عند دخول الجنة والنار، فلذلك وقع التكرير وخامسها : أن إحدى الحالتين عذاب القبر والأخرى عذاب القيامة، كما
روي عن أبي ذر أنه قال : كنت أشك في عذاب القبر، حتى سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : إن هذه الآية تدل على عذاب القبر،
وإنما قال : ثُمَّ لأن بين العالمين والحياتين موتا. ثم قال تعالى :
[سورة التكاثر (١٠٢) : الآيات ٥ إلى ٧]
كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧)
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اتفقوا على أن جواب (لو) محذوف، وأنه ليس قوله : لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ جواب (لو) ويدل عليه وجهان أحدهما : أن ما كان جواب لو فنفيه إثبات وإثباته نفي، فلو كان قوله : لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ جوابا للو لوجب أن لا تحصل هذه الرؤية وذلك باطل، فإن هذه الرؤية واقعة قطعا، فإن قيل : المراد من هذه الرؤية رؤيتها بالقلب في الدنيا، ثم إن هذه الرؤية غير واقعة قلنا : ترك الظاهر خلاف الأصل والثاني : أن قوله :
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر : ٨] إخبار عن أمر سيقع قطعا، فعطفه على ما لا يوجد ولا يقع قبيح في النظم، واعلم أن ترك الجواب / في مثل هذا المكان أحسن، يقول الرجل للرجل : لو فعلت هذا أي لكان كذا، قال اللّه تعالى : لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ [الأنبياء : ٣٩] ولم يجيء له جواب وقال : وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ [الأنعام : ٣٠] إذا عرفت هذا فنقول : ذكروا في جواب لو وجوها أحدها : قال الأخفش : لو تعلمون علم اليقين ما ألهاكم التكاثر وثانيها : قال أبو مسلم لو علمتم ماذا يجب عليكم لتمسكتم به أو لو علمتم لأي أمر خلقتم لاشتغلتم به وثالثها : أنه حذف الجواب ليذهب الوهم كل مذهب فيكون التهويل أعظم، وكأنه قال : لو علمتم علم اليقين لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه، ولكنكم ضلال وجهلة، وأما قوله : لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ فاللام يدل على أنه جواب قسم محذوف، والقسم لتوكيد الوعيد، وأن ما أوعدا به مما لا مدخل فيه للريب وكرره معطوفا بثم تغليظا للتهديد وزيادة في التهويل.
المسألة الثانية : أنه تعالى أعاد لفظ (كلا) وهو للزجر، وإنما حسنت الإعادة لأنه عقبه في كل موضع بغير ما عقب به الموضع الآخر، كأنه تعالى قال : لا تفعلوا هذا فإنكم تستحقون به من العذاب كذا لا تفعلوا هذا فإنكم تستوجبون به ضررا آخر، وهذا التكرير ليس بالمكروه بل هو مرضي عندهم، وكان الحسن رحمه اللّه يجعل معنى كَلَّا في هذا الموضع بمعنى حقا كأنه قيل حقا لو تعلمون علم اليقين.


الصفحة التالية
Icon