مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٢٧٤
لأنه تغليظ، فلا ينبغي أن الجحيم لفظه الثاني : قال أبو علي المعنى في : لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ لترون عذاب الجحيم، ألا ترى أن الجحيم يراها المؤمنون أيضا بدلالة قوله : وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم : ٧١] وإذا كان كذلك كان الوعيد في رؤية عذابها لا في رؤية نفسها يدل على هذا قوله : إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ [البقرة : ١٦٥] وقوله : وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ [النحل : ٨٥] وهذا يدل على أن (لترون) أرجح من (لترون).
[سورة التكاثر (١٠٢) : آية ٨]
ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)
فيه قولان :
المسألة الأولى : في أن الذي يسأل عن النعيم من هو؟ فيه قولان :
أحدهما : وهو الأظهر أنهم الكفار، قال الحسن : لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار ويدل عليه وجهان الأول : ما
روي أن أبا بكر لما نزلت هذه الآية قال يا رسول اللّه : أرأيت / أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التيهان من خبز شعير ولحم وبسر وماء عذب أن تكون من النعيم الذي نسأل عنه؟ فقال عليه الصلاة والسلام : إنما ذلك للكفار، ثم قرأ : وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ : ١٧]
والثاني : وهو أن ظاهر الآية يدل على ما ذكرناه، وذلك لأن الكفار ألهاكم التكاثر بالدنيا والتفاخر بلذاتها عن طاعة اللّه تعالى والاشتغال بشكره، فاللّه تعالى يسألهم عنها يوم القيامة حتى يظهر لهم أن الذي ظنوه سببا لسعادتهم هو كان من أعظم أسباب الشقاء لهم في الآخرة.
والقول الثاني : أنه عام في حق المؤمن والكافر واحتجوا بأحاديث،
روى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال :«أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة عن النعيم فيقال له : ألم نصحح لك جسمك ونروك من المار البارد»
وقال محمود بن لبيد : لما نزلت هذه السورة قالوا : يا رسول اللّه عن أي نعيم نسأل؟ إنما هما الماء والتمر وسيوفنا على عواتقنا والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل؟ قال :«إن ذلك سيكون»
وروي عن عمر أنه قال : أي نعيم نسأل عنه يا رسول اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأموالنا؟ فقال ﷺ :«ظلال المساكن والأشجار والأخبية التي تقيكم من الحر والبرد والماء البارد في اليوم الحار»
وقريب منه :
«من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»
وروي أن شابا أسلم في عهد رسول اللّه ﷺ فعلمه رسول اللّه سورة ألهاكم ثم زوجه رسول اللّه امرأة فلما دخل عليها ورأى الجهاز العظيم والنعيم الكثير خرج وقال : لا أريد ذلك فسأله النبي عليه الصلاة والسلام عنه فقال : ألست علمتني : ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ وأنا لا أطيق الجواب عن ذلك.
وعن أنس لما نزلت الآية قام محتاج فقال : هل علي من النعمة شي ء؟ قال : الظل والنعلان والماء البارد.
وأشهر الأخبار في هذا ما
روى أنه عليه الصلاة والسلام خرج ذات ليلة إلى المسجد، فلم يلبث أن جاء أبو بكر فقال : ما أخرجك يا أبا بكر؟ قال : الجوع، قال : واللّه ما أخرجني إلا الذي أخرجك، ثم دخل عمر فقال مثل ذلك، فقال : قوموا بنا إلى منزل أبي الهيثم، فدق رسول اللّه ﷺ الباب وسلم ثلاث مرات فلم يجب أحد فانصرف رسول اللّه ﷺ فخرجت امرأته تصيح كنا نسمع صوتك لكن أردنا أن تزيد من سلامك فقال لها : خيرا، ثم قالت : بأبي أنت وأمي إن أبا الهيثم خرج يستعذب لنا الماء، ثم عمدت إلى صاع من شعير فطحنته وخبزته ورجع أبو الهيثم فذبح عناقا وأتاهم بالرطب فأكلوا وشربوا فقال عليه الصلاة والسلام :«هذا من


الصفحة التالية
Icon