مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٣١٥
ويكلمه فقال : أيكم فجع هذه بولدها؟ فقال رجل : أنا، فقال : أردد إليها ولدها!
وكلام الذئب معه مشهور، وأكرم سليمان بمسيرة غدوة شهرا وأكرمه بالمسير إلى بيت المقدس في ساعة، وكان حماره يعفور يرسله إلى من، يريد فيجيء به، وقد شكوا إليه من ناقة أنها أغيلت، وأنهم لا يقدرون عليها فذهب إليها، فلما رأته خضعت له، وأرسل معاذا إلى بعض النواحي، فلما وصل إلى المفازة، فإذا أسد جاثم فهاله ذلك ولم يستجر [ى ء] أن يرجع، فتقدم وقال : إني رسول رسول اللّه فتبصبص، وكما انقاد الجن لسليمان، فكذلك انقادوا لمحمد عليه الصلاة والسلام، وحين جاء الأعرابي بالضب، وقال لا أؤمن بك حتى يؤمن بك هذا الضب، فتكلم الضب معترفا برسالته، وحين كفل الظبية حين أرسلها الأعرابي رجعت تعدو حتى أخرجته من الكفالة وحنت الحنانة لفراقه، وحين لسعت الحية عقب الصديق في الغار قالت : كنت مشتاقة إليه منذ كذا سنين فلم حجبتني عنه! وأطعم الخلق الكثير، من الطعام القليل ومعجزاته أكثر من أن تحصى وتعد، فلهذا قدمه اللّه على الذين اصطفاهم، فقال : وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [الأحزاب : ٧] فلما كانت رسالته كذلك جاز أن يسميها اللّه تعالى كوثرا، فقال : إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ القول السادس : الكوثر هو القرآن، وفضائله لا تحصى، وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ [لقمان : ٢٧] قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي [الكهف : ١٠٩] القول السابع : الكوثر الإسلام، وهو لعمري الخير الكثير، فإن به يحصل خير الدنيا والآخرة وبفواته يفوت خير الدنيا وخير الآخرة، وكيف لا والإسلام عبارة عن المعرفة، أو ما لا بد فيه من المعرفة، قال : وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة : ٢٦٩] وإذا كان الإسلام خيرا كثيرا فهو الكوثر، فإن قيل : لم خصه بالإسلام، مع أن نعمه عمت الكل؟ قلنا : لأن الإسلام وصل منه إلى غيره، فكان عليه السلام
كالأصل فيه القول الثامن : الكوثر كثرة الأتباع والأشياع، ولا شك أن له من الأتباع ما لا يحصيهم إلا اللّه، وروي أنه عليه الصلاة والسلام، قال :«أنا دعوة خليل اللّه إبراهيم، وأنا بشرى عيسى، وأنا مقبول الشفاعة يوم القيامة، فبينا أكون مع الأنبياء، إذ تظهر لنا أمة من الناس فنبتدرهم بأبصارنا ما منا من نبي إلا وهو يرجو أن تكون أمته، فإذا هم غر محجلون من آثار الوضوء، فأقول : أمتي ورب الكعبة فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يظهر لنا مثل ما ظهر أولا / فنبتدرهم بأبصارنا ما من نبي إلا ويرجو أن تكون أمته فإذا هم غر محجلون من آثار الوضوء فأقول : أمتي ورب الكعبة، فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم يرفع لنا ثلاثة أمثال ما قد رفع فنبتدرهم، وذكر كما ذكر في المرة الأولى والثانية، ثم قال : ليدخلن ثلاث فرق من أمتي الجنة قبل أن يدخلها أحد من الناس»
ولقد قال عليه الصلاة والسلام :«تناكحوا تناسلوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة، ولو بالسقط»
فإذا كان يباهي بمن لم يبلغ حد التكليف، فكيف بمثل هذا الجم الغفير، فلا جرم حسن منه تعالى أن يذكره هذه النعمة الجسيمة فقال : إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ القول التاسع : الكوثر الفضائل الكثيرة التي فيه، فإنه باتفاق الأمة أفضل من جميع الأنبياء، قال المفضل بن سلمة : يقال رجل كوثر إذا كان سخيا كثير الخير، وفي «صحاح اللغة» : الكوثر السيد الكثير الخير، فلما رزق اللّه تعالى محمدا هذه الفضائل العظيمة حسن منه تعالى أن يذكره تلك النعمة الجسيمة فيقول :
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ القول العاشر : الكوثر رفعة الذكر، وقد مر تفسيره في قوله : وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح : ٤] القول الحادي عشر : أنه العلم قالوا : وحمل الكوثر على هذا أولى لوجوه أحدها : أن العلم هو الخير الكثير قال : وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً
[النساء : ١١٣] وأمره بطلب العلم، فقال : وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه : ١١٤] وسمى الحكمة خيرا كثيرا، فقال : وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ


الصفحة التالية
Icon