مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٣٢٦
أيضا هكذا كنت تفعل فإنهم لما كسروا سنك قلت :«اللهم اهد قومي» ولما شغلوك يوم الخندق عن الصلاة قلت :«اللهم املأ بطونهم نارا» فههنا أيضا قدم حقي على حق نفسك وسواء كنت خائفا منهم، أو لست خائفا منهم فأظهر إنكار قولهم وقل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون الثالث والعشرون : كأنه تعالى يقول : قصة امرأة زيد واقعة حقيرة بالنسبة إلى هذه الواقعة، ثم إنني هناك ما رضيت منك أن تضمر في قلبك شيئا ولا تظهره بلسانك، بل قلت لك على سبيل العتاب : وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ [الأحزاب : ٣٧] فإذا كنت لم أرض منك في تلك الواقعة الحقيرة إلا بالإظهار، وترك المبالاة بأقوال الناس فكيف أرضى منك في هذه المسألة، وهي أعظم المسائل خطرا بالسكوت، قل بصريح لسانك يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون الرابع والعشرون : يا محمد ألست قلت لك : وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً [الفرقان : ٥١] ثم إني مع هذه القدرة راعيت جانبك وطيبت قلبك وناديت في العالمين بأني لا أجعل الرسالة مشتركة بينه وبين غيره، بل الرسالة له لا لغيره حيث قلت : وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب : ٤٠] / فأنت مع علمك بأنه يستحيل عقلا أن يشاركني غيري في المعبودية أولى أن تنادي في العالمين بنفي هذه الشركة. فقل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون الخامس والعشرون : كأنه تعالى يقول : القوم جاؤك وأطمعوك في متابعتهم لك ومتابعتك لدينهم فسكت عن الإنكار والرد، ألست أنا جعلت البيعة معك بيعة معي حيث قلت :
إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح : ١٠] وجعلت متابعتك متابعة لي حيث قلت : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران : ٣١] ثم إني ناديت في العالمين وقلت : أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ [التوبة : ٣] فصرح أنت أيضا بذلك وقل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، السادس والعشرون : كأنه تعالى يقول : ألست أرأف بك من الولد بولده، ثم العرى والجوع مع الوالد أحسن من الشبع مع الأجانب، كيف والجوع لهم لأن أصنامهم جائعة عن الحياة عارية عن الصفات وهم جائعون عن العلم عارون عن التقوى، فقد جربتني، ألم أجدك يتيما وضالا وعائلا، ألم نشرح لك صدرك، ألم أعطك بالصديق خزينة وبالفاروق هيبة وبعثمان معونة، وبعلي علما، ألم أكف أصحاب الفيل حين حاولوا تخريب بلدتك، ألم أكف أسلافك رحلة الشتاء والصيف، ألم أعطك الكوثر، ألم أضمن أن خصمك أبتر، ألم يقل جدك في هذه الأصنام بعد تخريبها : لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
[مريم : ٤٢] فصرح بالبراءة عنها وقل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون السابع والعشرون : كأنه تعالى يقول : يا محمد ألست قد أنزلت عليك :
فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة : ٢٠٠] ثم إن واحدا لو نسبك إلى والدين لغضبت ولأظهرت الإنكار ولبالغت فيه، حتى قلت :«ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح» فإذا لم تسكت عند التشريك في الولادة، فكيف سكت عند التشريك في العبادة! بل أظهر الإنكار، وبالغ في التصريح به وقل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، الثامن والعشرون : كأنه تعالى يقول يا محمد ألست قد أنزلت عليك : أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل : ١٧] فحكمت بأن من سوى بين الإله الخالق وبين الوثن الجماد في المعبودية لا يكون عاقلا بل يكون مجنونا، ثم إني أقسمت وقلت : ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم : ١، ٢] والكفار يقولون : إنك مجنون، فصرح برد مقالتهم فإنها تفيد براءتي عن عيب الشرك، وبراءتك عن عيب الجنون وقل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، التاسع والعشرون : أن هؤلاء الكفار سموا الأوثان آلهة، والمشاركة في الاسم لا توجب المشاركة في المعنى، ألا ترى أن الرجل والمرأة


الصفحة التالية
Icon