مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٣٣٧
اللّه؟ الجواب : هذا بحر يتفجر منه بحر سر القضاء والقدر، وذلك لأن فعلهم فعل اللّه، وتقريره أن أفعالهم مسندة إلى ما في قلوبهم من الدواعي والصوارف، وتلك الدواعي والصوارف أمور حادثة فلا بد لها من محدث وليس هو العبد، وإلا لزم التسلسل، فلا بد وأن يكون اللّه تعالى، فيكون المبدأ الأول والمؤثر الأبعد هو اللّه تعالى، ويكون المبدأ الأقرب هو العبد. فمن هذا الاعتبار صارت النصرة المضافة إلى الصحابة بعينها مضافة إلى اللّه تعالى، فإن قيل : فعلى هذا التقدير الذي ذكرتم يكون فعل العبد مفرعا على فعل اللّه تعالى، وهذا يخالف النص، لأنه قال : إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد : ٧] فجعل نصرنا له مقدما على نصره لنا والجواب : أنه لا امتناع في أن يصدر عن الحق فعل، فيصير ذلك سببا لصدور فعل عنا، ثم الفعل عنا ينساق إلى فعل آخر يصدر عن الرب، فإن أسباب الحوادث ومسبباتها متسلسلة على ترتيب عجيب يعجز عن إدراك كيفيته أكثر العقول البشرية.
السؤال السادس : كلمة : إِذا للمستقبل، فههنا لما ذكر وعدا مستقبلا بالنصر، قال : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ فذكر ذاته باسم اللّه، ولما ذكر النصر الماضي حين قال : وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ / لَيَقُولُنَّ [العنكبوت : ١٠] فذكره بلفظ الرب، فما السبب في ذلك؟ الجواب : لأنه تعالى بعد وجود الفعل صار ربا، وقبله ما كان ربا لكن كان إلها.
السؤال السابع : أنه تعالى قال : إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد : ٧] وإن محمدا عليه السلام نصر اللّه حين قال : يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ فكان واجبا بحكم هذا الوعد أن ينصره اللّه، فلا جرم قال :
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ فهل تقول بأن هذا النصر كان واجبا عليه؟ الجواب : أن ما ليس بواجب قد يصير واجبا بالوعد، ولهذا قيل : وعد الكريم ألزم من دين الغريم، كيف ويجب على الوالد نصرة ولده، وعلى المولى نصرة عبده، بل يجب النصر على الأجنبي إذا تعين بأن كان واحدا اتفاقا، وإن كان مشغولا بصلاة نفسه، ثم اجتمعت هذه الأسباب في حقه تعالى فوعده مع الكرم وهو أرأف بعبده من الوالد بولده والمولى بعبده وهو ولي بحسب الملك ومولى بحسب السلطنة، وقيوم للتدبير وواحد فرد لا ثاني له فوجب عليه وجوب الكرم نصرة عبده فلهذا قال : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ.
أما قوله تعالى : وَالْفَتْحُ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : نقل عن ابن عباس أن الفتح هو فتح مكة وهو الفتح الذي يقال له : فتح الفتوح.
روي أنه لما كان صلح الحديبية وانصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أغار بعض من كان في عهد قريش على خزاعة وكانوا في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجاء سفير ذلك القوم وأخبر رسول اللّه ﷺ فعظم ذلك عليه ثم قال : أما إن هذا العارض ليخبرني أن الظفر يجيء من اللّه، ثم قال لأصحابه : أنظروا فإن أبا سفيان يجيء ويلتمس أن يجدد العهد فلم تمض ساعة أن جاء الرجل ملتمسا لذلك فلم يجبه الرسول ولا أكابر الصحابة فالتجأ إلى فاطمة فلم ينفعه ذلك ورجع إلى مكة آيسا وتجهز رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المسير لمكة،
ثم
يروى أن سارة مولاة بعض بني هاشم أتت المدينة فقال عليه السلام لها : جئت مسلمة؟ قالت : لا لكن كنتم الموالي وبي حاجة، فحث عليها رسول اللّه بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وزودوها فأتاها حاطب بعشرة دنانير واستحملها كتابا إلى مكة نسخته : اعلموا أن رسول اللّه يريدكم فخذوا حذركم، فخرجت سارة ونزلت جبريل بالخبر، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليا عليه السلام