مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٣٤١
اللّه تعالى : فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات :
٣٥، ٣٦] ومنها الصراط قال تعالى : صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الشورى : ٥٣] ومنها كلمة اللّه، ومنها النور : لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ [الصف : ٨] ومنها الهدى لقوله : يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ [الأنعام : ٨٨] ومنها العروة : فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى [لقمان : ٢٢] ومنها الحبل : وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ [آل عمران : ١٠٣] ومنها صِبْغَةَ اللَّهِ، وفِطْرَتَ اللَّهِ، وإنما قال : فِي دِينِ اللَّهِ ولم يقل : في دين الرب، ولا سائر الأسماء لوجهين الأول : أن هذا الاسم أعظم الأسماء لدلالته على الذات والصفات، فكأنه يقول : هذا الدين إن لم يكن له خصلة سوى أنه دين اللّه فإنه يكون واجب القبول والثاني : لو قال : دين الرب لكان يشعر ذلك بأن هذا الدين إنما يجب عليك قبوله لأنه رباك، وأحسن إليك وحينئذ تكن طاعتك له معللة بطلب النفع، فلا يكون الإخلاص حاصلا، فكأنه يقول أخلص الخدمة بمجرد أني إله لا لنفع يعود إليك.
المسألة الخامسة : الفوج : الجماعة الكثيرة كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعد ما كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا وإثنين إثنين، وعن جابر بن عبد اللّه أنه بكى ذات يوم فقيل له : ما يبكيك فقال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول :«دخل الناس في دين اللّه أفواجا، وسيخرجون منه أفواجا»
نعوذ باللّه من السلب بعد العطاء.
[سورة النصر (١١٠) : آية ٣]
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)
فيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى أمره بالتسبيح ثم بالحمد ثم بالاستغفار، ولهذا الترتيب فوائد :
الفائدة الأولى : اعلم أن تأخير النصر سنين مع أن محمدا كان على الحق مما يثقل على القلب ويقع في القلب أني إذا كنت على الحق فلم لا تنصرني ولم سلطت هؤلاء الكفرة علي فلأجل الاعتذار عن هذا الخاطر أمر بالتسبيح، أما على قولنا : فالمراد من هذا التنزيه أنك منزه عن أن يستحق أحد عليك شيئا بل كل ما تفعله فإنما تفعله بحكم المشيئة الإلهية فلك أن تفعل ما تشاء كما تشاء ففائدة التسبيح تنزيه اللّه عن أن يستحق عليه أحد شيئا، وأما على قول المعتزلة : ما فائدة التنزيه هو أن يعلم العبد أن ذلك التأخير كان بسبب الحكمة والمصلحة لا بسبب البخل وترجيح الباطل على الحق، ثم إذا فرغ العبد عن تنزيه اللّه عما لا ينبغي فحينئذ يشتغل بحمده على ما أعطى من الإحسان والبر، ثم حينئذ يشتغل بالاستغفار لذنوب نفسه الوجه الثاني : أن للسائرين طريقين فمنهم من قال : ما رأيت شيئا إلا ورأيت اللّه بعده، ومنهم من قال : ما رأيت شيئا إلا ورأيت اللّه قبله، ولا شك أن هذا الطريق أكمل، أما بحسب المعالم الحكمية، فلأن النزول من المؤثر إلى الأثر أجل مرتبة من الصعود من الأثر إلى المؤثر، وأما بحسب أفكار أرباب الرياضات فلأن ينبوع النور هو واجب الوجود وينبوع الظلمة ممكن الوجود، فالاستغراق في الأول يكون أشرف لا محالة، ولأن الاستدلال بالأصل على التبع يكون أقوى من الاستدلال بالتبع على الأصل، وإذا ثبت هذا فنقول : الآية دالة على هذه الطريقة التي هي أشرف الطريقين وذلك لأنه قدم الاشتغال بالخالق على الاشتغال بالنفس فذكر أولا من الخالق أمرين أحدهما : التسبيح والثاني : التحميد، ثم ذكروا في المرتبة الثالثة الاستغفار وهو حالة ممزوجة من الالتفات إلى الخالق وإلى الخلق.


الصفحة التالية
Icon