مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٣٦٠
شيء بالأحدية غير اللّه تعالى لا يقال : رجل أحد ولا درهم أحد كما يقال : رجل واحد أي فرد به بل أحد صفة من صفات اللّه تعالى استأثر بها فلا يشركه فيها شيء. ثم ذكروا في الفرق بين الواحد والأحد وجوها أحدها : أن الواحد يدخل في الأحد والأحد لا يدخل فيه وثانيها : أنك إذا قلت : فلان لا يقاومه واحد، جاز أن يقال : لكنه يقاومه اثنان بخلاف الأحد، فإنك لو قلت : فلان لا يقاومه أحد لا يجوز أن يقال : لكنه يقاومه اثنان / وثالثها :
أن الواحد يستعمل في الإثبات والأحد في النفي، تقول في الإثبات رأيت رجلا واحدا وتقول في النفي : ما رأيت أحدا فيفيد العموم.
المسألة الخامسة : اختلف القراء في قوله : أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ فقراءة العامة بالتنوين وتحريكه بالكسر هكذا أحدن اللّه، وهو القياس الذي لا إشكال فيه، وذلك لأن التنوين من أحد ساكن ولام المعرفة من اللّه ساكنة، ولما التقى ساكنان حرك الأول منهما بالكسر، وعن أبي عمرو، أحد اللّه بغير تنوين، وذلك أن النون شابهت حروف اللين في أنها تزاد كما يزدن فلما شابهتها أجريت مجراها في أن حذفت ساكنة لالتقاء الساكنين كما حذفت الألف والواو والياء لذلك نحو غزا القوم ويغزو القوم، ويرمي القوم، ولهذا حذفت النون الساكنة في الفعل نحو : لَمْ يَكُ [الأنفال : ٥٣] فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ [هود : ١٧] فكذا هاهنا حذفت في (أحد اللّه) لالتقاء الساكنين كما حذفت هذه الحروف. وقد ذكرنا هذا مستقصى عند قوله : عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة : ٣٠] وروي أيضا عن أبي عمرو : أَحَدٌ اللَّهُ وقال : أدركت القراء يقرءونها كذلك وصلا على السكون، قال أبو علي : قد تجري الفواصل في الإدراج مجراها في الوقف وعلى هذا قال من قال : فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنا [الأحزاب : ٦٧، ٦٨] وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ [القارعة : ١٠، ١١] فكذلك : أَحَدٌ اللَّهُ لما كان أكثر القراء فيما حكاه أبو عمرو على الوقف أجراه في الوصل مجراه في الوقف لاستمرار الوقف عليه وكثرته في ألسنتهم، وقرأ الأعمش : قل هو اللّه الواحد فإن قيل : لما ذا؟ قيل : أحد على النكرة، قال الماوردي : فيه وجهان أحدهما : حذف لام التعريف على نية إضمارها والتقدير : قل هو اللّه الأحد والثاني : أن المراد هو التنكير على سبيل التعظيم.
المسألة السادس : اعلم أن قوله : هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ألفاظ ثلاثة وكل واحد منها إشارة إلى مقام من مقامات الطالبين فالمقام الأول : مقام المقربين وهو أعلى مقامات السائرين إلى اللّه وهؤلاء هم الذين نظروا إلى ماهيات الأشياء وحقائقها من حيث هي هي، فلا جرم ما رأوا موجودا سوى اللّه لأن الحق هو الذي لذاته يجب وجوده، وأما ما عداه فممكن لذاته والممكن لذاته إذا نظر إليه من حيث هو هو كان معدوما، فهؤلاء لم يروا موجودا سوى الحق سبحانه، وقوله : هُوَ إشارة مطلقة والإشارة وإن كانت مطلقة إلا أن المشار إليه لما كان معينا انصرف ذلك المطلق إلى ذلك المعين، فلا جرم كان قولنا : هو إشارة من هؤلاء المقربين إلى الحق سبحانه فلم يفتقروا في تلك الإشارة إلى مميز، لأن الافتقار إلى التمييز إنما يحصل حين حصل هناك موجودان، وقد بينا أن هؤلاء ما شاهدوا بعيون عقولهم إلا الواحد فقط، فلهذا السبب كانت لفظة : هُوَ كافية في حصول العرفان التام لهؤلاء، المقام الثاني : وهو مقام أصحاب اليمين وهو دون المقام الأول، وذلك لأن هؤلاء شاهدوا الحق موجودا وشاهدوا الخلق أيضا موجودا، فحصلت كثرة في الموجودات فلا جرم لم يكن هو كافيا في الإشارة إلى الحق، بل لا بد هناك من مميز به يتميز الحق عن الخلق فهؤلاء احتاجوا إلى أن يقرنوا لفظة اللّه بلفظة هو،


الصفحة التالية
Icon