مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٣٧٥
يحولنهم من رأي إلى رأي، ومن عزيمة إلى عزيمة، فأمر اللّه رسوله بالتعوذ من شرهن كقوله : إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن : ١٤] فلذلك عظم اللّه كيدهن فقال : إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف : ٢٨].
واعلم أن هذا القول حسن، لولا أنه على خلاف قول أكثر المفسرين.
المسألة الثانية : أنكرت المعتزلة تأثير السحر، وقد تقدمت هذه المسألة، ثم قالوا : سبب الاستعاذة من شرهن لثلاثة أوجه أحدها : أن يستعاذ من إثم عملهن في السحر والثاني : أن يستعاذ من فتنتهن الناس بسحرهن أن يستعاذ من إطعامهن الأطعمة الرديئة المورثة للجنون والموت.
[سورة الفلق (١١٣) : آية ٥]
وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)
من المعلوم أن الحاسد هو الذي تشتد محبته لإزالة نعمة الغير إليه، ولا يكاد يكون كذلك إلا ولو تمكن من ذلك بالحيل لفعل، فلذلك أمر اللّه بالتعوذ منه، وقد دخل في هذه السورة كل شر يتوقى ويتحرز منه دينا ودنيا، فلذلك لما نزلت فرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنزولها لكونها مع ما يليها جامعة في التعوذ لكل أمر، ويجوز أن يراد بشر الحاسد إثمه وسماجة حاله في وقت حسده وإظهاره أثره. بقي هنا سؤالان :
السؤال الأول : قوله : مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ عام في كل ما يستعاذ منه، فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق والنفاثات والحاسد الجواب : تنبيها على أن هذه الشرور أعظم أنواع الشر.
السؤال الثاني : لم عرف بعض المستعاذ منه ونكر بعضه؟ الجواب : عرف النفاثات لأن كل نفاثة شريرة، ونكر غاسقا لأنه ليس كل غاسق شريرا، وأيضا ليس كل حاسد شريرا، بل رب حسد يكون محمودا وهو الحسد في الخيرات.
واللّه سبحانه وتعالى أعلم، وصلى اللّه على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.


الصفحة التالية
Icon