مفاتيح الغيب، ج ٣٢، ص : ٣٧٨
المشترك بين الجن والإنس، يسمى إنسانا والإنسان أيضا يسمى إنسانا فيكون لفظ الإنسان واقعا على الجنس والنوع بالاشتراك، والدليل على أن لفظ الإنسان يندرج فيه الجن والإنس ما روى أنه جاء نفر من الجن فقيل لهم : من أنتم فقالوا : أناس من الجن، وأيضا قد سماهم اللّه رجالا في قوله : وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ [الجن : ٦] فجاز أيضا أن يسميهم هاهنا ناسا، فمعنى الآية على هذا التقدير أن هذا الوسواس الخناس شديد الخنث لا يقتصر على إضلال الإنس بل يضل جنسه وهم الجن، فجدير أن يحذر العاقل شره، وهذا القول ضعيف، لأن جعل الإنسان اسما للجنس الذي يندرج فيه الجن والإنس بعيد من اللغة لأن الجن سموا جنا لاجتنابهم والإنسان إنسانا لظهوره من الإيناس وهو الإبصار، وقال صاحب الكشاف : من أراد تقرير هذا الوجه، فالأولى أن يقول : المراد من قوله : يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ أي في صدور الناسي كقوله : يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ [القمر : ٦] وإذا كان المراد من الناس الناسي، فحينئذ يمكن تقسيمه إلى الجن والإنس لأنهما هما النوعان الموصوفان بنسيان حق اللّه تعالى وثالثها : أن يكون المراد أعوذ برب الناس من الوسواس الخناس ومن الجنة والناس كأنه استعاذ بربه من ذلك الشيطان الواحد، ثم استعاذ بربه من الجميع الجنة والناس.
واعلم أن لهذه السورة لطيفة أخرى : وهي أن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة وهي أنه رب الفلق، والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات، وهي الغاسق والنفاثات والحاسد، وأما في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاثة : وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة، وهي الوسوسة، والفرق بين الموضعين أن الثناء يجب أن يتقدر بقدر المطلوب، فالمطلوب في السورة الأولى سلامة النفس والبدن، والمطلوب في السورة الثانية سلامة الدين، وهذا تنبيه على أن مضرة الدين وإن قلت : أعظم من مضار الدنيا وإن عظمت، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon