مفاتيح الغيب، ج ٧، ص : ١٥٣
تعالى : وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ وهذا هو النهاية في شرح العذاب فإنه لا عذاب أزيد من أن تشتعل النار فيهم كاشتعالها في الحطب اليابس، والوقود بفتح الواو الحطب الذي توقد به النار، وبالضم هو مصدر وقدت النار وقوداً كقوله : وردت وروداً.
المسألة الثالثة : في قوله مِنَ اللَّهِ قولان أحدهما : التقدير : لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب اللّه فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه والثاني : قال أبو عبيدة (من) بمعنى عند، والمعنى لن تغني عند اللّه شيئاً.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١١]
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١)
يقال : دأبت الشيء أدأب دأبا ودؤبا إذا أجهدت في الشيء وتعبت فيه، قال اللّه تعالى : سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً [يوسف : ٤٧] أي بجد واجتهاد ودوام، ويقال : سار فلان يوماً دائباً، إذا أجهد في السير يومه كله، هذا معناه في اللغة، ثم صار الدأب عبارة عن الشأن والأمر والعادة، يقال : هذا دأب فلان أي عادته، وقال بعضهم :
الدؤب والدأب الدوام.
إذا عرفت هذا فنقول : في كيفية التشبيه وجوه الأول : أن يفسر الدأب بالاجتهاد، كما هو معناه في أصل اللغة، وهذا قول الأصم والزجاج، ووجه التشبيه أن دأب الكفار، أي جدهم / واجتهادهم في تكذيبهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وكفرهم بدينه كدأب آل فرعون مع موسى عليه السلام، ثم إنا أهلكنا أولئك بذنوبهم، فكذا نهلك هؤلاء.
الوجه الثاني : أن يفسر الدأب بالشأن والصنع، وفيه وجوه الأول : كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ أي شأن هؤلاء وصنعهم في تكذيب محمد صلى اللّه عليه وسلم، كشأن آل فرعون في التكذيب بموسى، ولا فرق بين هذا الوجه وبين ما قبله إلا أنا حملنا اللفظ في الوجه الأول على الاجتهاد، وفي هذا الوجه على الصنع والعادة والثاني : أن تقدير الآية : أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه شيئاً، ويجعلهم اللّه وقود النار كعادته وصنعه في آل فرعون، فإنهم لما كذبوا رسولهم أخذهم بذنوبهم، والمصدر تارة يضاف إلى الفاعل، وتارة إلى المفعول، والمراد هاهنا، كدأب اللّه في آل فرعون، فإنهم لما كذبوا برسولهم أخذهم بذنوبهم، ونظيره قوله تعالى :
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة : ١٦٥] أي كحبهم اللّه وقال : سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا [الإسراء :
٧٧] والمعنى : سنتي فيمن أرسلنا قبلك والثالث : قال القفال رحمه اللّه : يحتمل أن تكون الآية جامعة للعادة المضافة إلى اللّه تعالى، والعادة المضافة إلى الكفار، كأنه قيل : إن عادة هؤلاء الكفار ومذهبهم في إيذاء محمد صلى اللّه عليه وسلم كعادة من قبلهم في إيذاء رسلهم، وعادتنا أيضاً في إهلاك هؤلاء، كعادتنا في إهلاك أولئك الكفار المتقدمين، والمقصود على جميع التقديرات نصر النبي صلى اللّه عليه وسلم على إيذاء الكفرة وبشارته بأن اللّه سينتقم منهم.
الوجه الثالث : في تفسير الدأب والدؤب، وهو اللبث والدوام وطول البقاء في الشيء، وتقدير الآية، وأولئك هم وقود النار كدأب آل فرعون، أي دؤبهم في النار كدؤب آل فرعون.
والوجه الرابع : أن الدأب هو الاجتهاد، كما ذكرناه، ومن لوازم ذلك التعب والمشقة ليكون المعنى ومشقتهم وتعبهم من العذاب كمشقة آل فرعون بالعذاب وتعبهم به، فإنه تعالى بيّن أن عذابهم حصل في غاية


الصفحة التالية
Icon