مفاتيح الغيب، ج ٧، ص : ١٥٥
الرواية الثانية : أن يهود أهل المدينة لما شاهدوا وقعة أهل بدر، قالوا : واللّه هو النبي الأمي الذي بشرنا به موسى في التوراة، ونعته وأنه لا ترد له راية، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا فلما كان يوم أحد ونكب أصحابه قالوا : ليس هذا هو ذاك، وغلب الشقاء عليهم فلم يسلموا، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
والرواية الثالثة : أن هذا الآية واردة في جمع من الكفار بأعيانهم علم اللّه تعالى أنهم يموتون على كفرهم، وليس في الآية ما يدل على أنهم من هم.
المسألة الثالثة : احتج من قال بتكليف ما لا يطاق بهذه الآية، فقال : إن اللّه تعالى أخبر عن تلك الفرقة من الكفار أنهم يحشرون إلى جهنم، فلو آمنوا وأطاعوا لا نقلب هذا الخبر كذباً وذلك محال، ومستلزم المحال محال، فكان الإيمان والطاعة محالًا منهم، وقد أمروا به، فقد أمروا بالمحال وبما لا يطاق، وتمام تقريره قد تقدم في تفسير قوله تعالى : سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة : ٦].
المسألة الرابعة : قوله سَتُغْلَبُونَ إخبار عن أمر يحصل في المستقبل، وقد وقع مخبره على موافقته، فكان هذا إخباراً عن الغيب وهو معجز، ونظيره قوله تعالى : غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم : ٢، ٣] الآية، ونظيره في حق عيسى عليه السلام وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ [آل عمران : ٤٩].
المسألة الخامسة : دلّت الآية على حصول البعث في القيامة، وحصول الحشر والنشر، وأن مرد الكافرين إلى النار.
ثم قال : وَبِئْسَ الْمِهادُ وذلك لأنه تعالى لما ذكر حشرهم إلى جهنم وصفه فقال : بِئْسَ الْمِهادُ والمهاد : الموضع الذي يتمهد فيه وينام عليه كالفراش، قال اللّه تعالى : وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ [الذاريات : ٤٨] فلما ذكر اللّه تعالى مصير الكافرين إلى جهنم أخبر عنها بالشر لأن بئس مأخوذ من البأساء هو الشر والشدة، قال اللّه تعالى : وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ [الأعراف : ١٦٥] أي شديد وجهنم معروفة أعاذنا اللّه منها بفضله.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٣]
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣)
[في قوله تعالى قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ] اعلم أن في الآية مسائل :
المسألة الأولى : لم يقل : قد كانت لكم آية، بل قال : قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ وفيه وجهان :
الأول : أنه محمول على المعنى، والمراد : قد كان لكم إتيان هذا آية.
والثاني : قال الفرّاء : إنما ذكر للفصل الواقع بينهما، وهو قوله لَكُمْ.
المسألة الثانية : وجه النظم أنا ذكرنا أن الآية المتقدمة، وهي قوله تعالى : سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ نزلت في اليهود، وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما دعاهم إلى الإسلام أظهروا التمرد وقالوا ألسنا أمثال قريش في الضعف وقلة المعرفة بالقتال بل معنا من الشوكة والمعرفة بالقتال ما يغلب كل من ينازعنا فاللّه تعالى قال لهم إنكم وإن كنتم


الصفحة التالية
Icon