مفاتيح الغيب، ج ٧، ص : ١٦٢
البحث الأول :(من) في قوله مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ كما في قوله فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الحج : ٣٠] فكما أن المعنى فاجتنبوا الأوثان التي هي رجس فكذا أيضاً معنى هذه الآية : زين للناس حب النساء وكذا وكذا التي هي مشتهاة.
البحث الثاني : اعلم أنه تعالى عدد هاهنا من المشتهيات أموراً سبعة أولها : النساء وإنما قدمهن على الكل لأن الالتذاذ بهن أكثر والاستئناس بهن أتم ولذلك قال تعالى : خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم : ٢١] ومما يؤكد ذلك أن العشق الشديد المفلق المهلك لا يتفق إلا في هذا النوع من الشهوة.
المرتبة الثانية : حب الولد : ولما كان حب الولد الذكر أكثر من حب الأنثى، لا جرم خصه اللّه تعالى بالذكر، ووجه التمتع بهم ظاهر من حيث السرور والتكثر بهم إلى غير ذلك.
واعلم أن اللّه تعالى في إيجاد حب الزوجة والولد في قلب الإنسان حكمة بالغة، فإنه لولا هذا الحب لما حصل التوالد والتناسل ولأدى ذلك إلى انقطاع النسل، وهذه المحبة كأنها حالة غريزية ولذلك فإنها حاصلة لجميع الحيوانات، والحكمة فيه ما ذكرنا من بقاء النسل.
المرتبة الثالثة والرابعة : الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وفيه أبحاث :
البحث الأول : قال الزجاج : القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه، والقنطرة مأخوذة من ذلك لتوثقها بعقد الطاق، فالقنطار مال كثير يتوثق الإنسان به في دفع أصناف النوائب، وحكى أبو عبيد عن العرب أنهم يقولون : إنه وزن لا يحد، واعلم أن هذا هو الصحيح، ومن الناس من حاول تحديده، وفيه روايات :
فروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«القنطار إثنا عشر ألف أوقية»
وروى أنس عنه أيضاً أن القنطار ألف دينار،
وروى أبي بن كعب أنه عليه السلام قال : القنطار ألف ومائتا أوقية
وقال ابن عباس : القنطار ألف دينار أو إثنا عشر / ألف درهم، وهو مقدار الدية، وبه قال الحسن، وقال الكلبي : القنطار بلسان الروم ملء مسك ثور من ذهب أو فضة، وفيه أقوال سوى ما ذكرنا لكنا تركناها لأنها غير مقصودة بحجة ألبتة.
البحث الثاني : الْمُقَنْطَرَةِ منفعلة من القنطار، وهو للتأكيد، كقولهم : ألف مؤلفة، وبدرة مبدرة، وإبل مؤبلة، ودراهم مدرهمة، وقال الكلبي : القناطير ثلاثة، والمقنطرة المضاعفة، فكان المجموع ستة.
البحث الثالث : الذهب والفضة إنما كانا محبوبين لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء، فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء، وصفة المالكية هي القدرة، والقدرة صفة كمال، والكمال محبوب لذاته، فلما كان الذهب والفضة أكمل الوسائل إلى تحصيل هذا الكمال الذي هو محبوب لذاته وما لا يوجد المحبوب إلا به فهو محبوب، لا جرم كانا محبوبين.
المرتبة الخامسة : الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ قال الواحدي : الخيل جمع لا واحد له من لفظه، كالقوم والنساء والرهط، وسميت الأفراس خيلًا لخيلائها في مشيها، وسميت حركة الإنسان على سبيل الجولان اختيالا، وسمي الخيال خيالا، والتخيل تخيلا، لجولان هذه القوة في استحضار تلك الصورة، والأخيل الشقراق، لأنه يتخيل تارة أخضر، وتارة أحمر، واختلفوا في معنى الْمُسَوَّمَةِ على ثلاثة أقوال الأول : أنها الراعية، يقال :


الصفحة التالية
Icon