مفاتيح الغيب، ج ٧، ص : ١٧٧
الرغبة في ذلك صح إطلاق هذا الاسم عليهم على سبيل المجاز، كما يقال : النار محرقة، والسم قاتل، أي ذلك من شأنهما إذا وجد القابل، فكذا هاهنا لا يصح أن يكون إلا كذلك.
السؤال الثاني : ما الفائدة في قوله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وقتل الأنبياء لا يكون إلا كذلك.
والجواب : ذكرنا وجوه ذلك في سورة البقرة، والمراد منه شرح عظم ذنبهم، وأيضاً يجوز أن يكون المراد أنهم قصدوا بطريقة الظلم في قتلهم طريقة العدل.
السؤال الثالث : قوله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ ظاهره مشعر بأنهم قتلوا الكل، ومعلوم أنهم ما قتلوا الكل ولا الأكثر ولا النصف.
والجواب : الألف واللام محمولان على المعهود لا على الاستغراق.
الصفة الثالثة : قوله وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حمزة وحده ويقاتلون بالألف والباقون وَيَقْتُلُونَ وهما سواء، لأنهم قد يقاتلون فيقتلون بالقتال، وقد يقتلون ابتداء من غير قتال وقرأ أبي ويقتلون النبيّين والذين يأمرون.
المسألة الثانية : قال الحسن : هذه الآية تدل على أن القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الخوف، تلي منزلته في العظم منزلة الأنبياء، وروي أن رجلًا قام إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : أي الجهاد أفضل؟
فقال عليه الصلاة والسلام :«أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».
واعلم أنه تعالى كما وصفهم بهذه الصفات الثلاثة، فقد ذكر وعيدهم من ثلاثة أوجه الأول : قوله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : إنما دخلت الفاء في قوله فَبَشِّرْهُمْ مع أنه خبران، لأنه في معنى الجزاء والتقدير : من يكفر فبشرهم.
المسألة الثانية : هذا محمول على الاستعارة، وهو أن إنذار هؤلاء بالعذاب قائم مقام بشرى المحسنين بالنعيم، والكلام في حقيقة البشارة تقدم في قوله تعالى : وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [البقرة :
٢٥].
النوع الثاني من الوعيد : قوله أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ اعلم أنه تعالى بيّن بهذا أن محاسن أعمال الكفار محبطة في الدنيا والآخرة، أما الدنيا فإبدال المدح بالذم والثناء باللعن، ويدخل فيه ما ينزل بهم من القتل والسبي، وأخذ الأموال منهم غنيمة والاسترقاق لهم إلى غير ذلك من الذل الظاهر فيهم، وأما حبوطها في الآخرة فبإزالة الثواب إلى العقاب.
النوع الثالث من وعيدهم : قوله تعالى : وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ اعلم أنه تعالى بيّن بالنوع الأول من الوعيد اجتماع أسباب الآلام والمكروهات في حقهم وبيّن بالنوع الثاني زوال أسباب المنافع عنهم بالكلية وبيّن بهذا الوجه الثالث لزوم ذلك في حقهم على وجه / لا يكون لهم ناصر ولا دافع واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon