مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٤٩١
يعولهم كقولهم : مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم، لان من كثر عياله لزمه أن يعولهم، وفي ذلك ما تصعب عليه المحافظة على حدود الورع وكسب الحلال والرزق الطيب، فثبت بهذه الوجوه أن الذي ذكره إمام المسلمين الشافعي رضي اللّه عنه في غاية الحسن، وأن الطعن لا يصدر الا عن كثرة الغباوة وقلة المعرفة.
وأما السؤال الثالث : وهو قوله : إن كثرة العيال لا تختلف بأن تكون المرأة زوجة أو / مملوكة فجوابه من وجهين : الأول : ما ذكره القفال رضي اللّه عنه، وهو أن الجواري إذا كثرن فله أن يكلفهن الكسب، وإذا اكتسبن أنفقن على أنفسهن وعلى مولاهن أيضا، وحينئذ تقل العيال أما إذا كانت المرأة حرة لم يكن الأمر كذلك فظهر الفرق. الثاني : ان المرأة إذا كانت مملوكة فإذا عجز المولى عن الانفاق عليها باعها وتخلص منها، أما إذا كانت حرة فلا بد له من الانفاق عليها، والعرف يدل على أن الزوج ما دام يمسك الزوجة فإنها لا تطالبه بالمهر، فإذا حاول طلاقها طالبته بالمهر فيقع الزوج في المحنة.
وأما السؤال الرابع : وهو الذي ذكره الجرجاني صاحب النظم، فالجواب عنه من وجهين : الأول : ما ذكره القاضي وهو أن الوجه الذي ذكره الشافعي أرجح، لأنه لو حمل على الجور لكان تكراراً لأنه فهم ذلك من قوله : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا أما إذا حملناه على ما ذكره الشافعي لم يلزم التكرار فكان أولى. الثاني : أن نقول : هب أن الأمر كما ذكرتم لكنا بينا أن التفسير الذي ذكره الشافعي راجع عند التحقيق إلى ذكر التفسير الأول، لكن على سبيل الكناية والتعريض، وإذا كان الأمر كذلك فقد زال هذا السؤال، فهذا تمام البحث في هذا الموضع وباللّه التوفيق.
[سورة النساء (٤) : آية ٤]
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)
[في قوله تعالى وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً] في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قوله : وَآتُوا النِّساءَ خطاب لمن؟ فيه قولان : أحدهما : ان هذا خطاب لأولياء النساء، وذلك لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي النساء من مهورهن شيئا، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت : هنيئا لك النافجة، ومعناه أنك تأخذ مهرها إبلًا فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أي تعظمه، وقال ابن الأعرابي : النافجة ما يأخذه الرجل من الحلوان إذا زوج ابنته، فنهى اللّه تعالى عن ذلك، وأمر بدفع الحق إلى أهله، وهذا قول الكلبي وأبي صالح واختيار الفراء وابن قتيبة.
القول الثاني : ان الخطاب للأزواج أمروا بإيتاء النساء مهورهن، وهذا قول : علقمة والنخعي وقتادة واختيار الزجاج، قال لأنه لا ذكر للأولياء هاهنا، وما قبل هذا خطاب للناكحين وهم الأزواج.
المسألة الثانية : قال القفال رحمه اللّه : يحتمل أن يكون المراد من الإيتاء المناولة، ويحتمل أن يكون المراد الالتزام، قال تعالى : حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ [التوبة : ٢٩] والمعنى حتى يضمنوها ويلتزموها، فعلى هذا الوجه الأول كأن المراد أنهم أمروا بدفع المهور التي قد سموها لهن، وعلى التقدير الثاني :/ كان المراد أن الفروج لا تستباح إلا بعوض يلزم سواء سمي ذلك أو لم يسم، إلا ما خص به الرسول صلى اللّه عليه وسلم في الموهوبة، ثم قال رحمه اللّه : ويجوز أن يكون الكلام جامعا للوجهين معا واللّه أعلم.
المسألة الثالثة : قال صاحب «الكشاف» : صَدُقاتِهِنَّ مهورهن، وفي حديث شريح : قضى ابن عباس


الصفحة التالية
Icon