مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٤٩٩
سنة، وجب أن لا يجوز دفع المال اليه، والقياس الجلي أيضا يقوي الاستدلال بهذا النص، لأن الصبي إنما منع منه المال لفقدان العقل الهادي إلى كيفية حفظ المال وكيفية الانتفاع به، فإذا كان هذا المعنى حاصلا في الشباب والشيخ كان في حكم الصبي، فثبت أنه لا وجه لقول من يقول : انه إذا بلغ خمسا وعشرين سنة دفع اليه ماله وان لم يؤنس منه الرشد.
المسألة الخامسة : إذا بلغ رشيدا ثم تغير وصار سفيها حجر عليه عند الشافعي ولا يحجر عليه عند أبي حنيفة وقد مرت هذه المسألة عند قوله تعالى : وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً [النساء :
٥] والقياس الجلي أيضا يدل عليه، لأن هذه الآية دالة على أنه إذا بلغ غير رشيد لم يدفع اليه ماله، وإنما لم يدفع اليه ماله لئلا يصير المال ضائعا فيكون باقيا مرصداً ليوم حاجته، وهذا المعنى قائم في السفه الطارئ، فوجب اعتباره واللّه أعلم.
المسألة السادسة : قال صاحب «الكشاف» : الفائدة في تنكير الرشد التنبيه على ان المعتبر هو الرشد في التصرف والتجارة، أو على أن المعتبر هو حصول طرف من الرشد وظهور أثر من آثاره حتى لا ينتظر به تمام الرشد.
المسألة السابعة : قال صاحب «الكشاف» : قرأ ابن مسعود فان أحستم، بمعنى أحسستم قال :
أحسن به فهن اليه شوس
وقرئ رشدا بفتحتين ورشداً بضمتين.
ثم قال تعالى : فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ والمراد أن عند حصول الشرطين أعني البلوغ وإيناس الرشد يجب دفع المال إليهم، وإنما لم يذكر تعالى مع هذين الشرطين كمال العقل، لأن إيناس الرشد لا يحصل إلا مع العقل لأنه أمر زائد على العقل.
ثم قال تعالى : وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا أي مسرفين ومبادرين كبرهم أو لاسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون في إنفاقها وتقولون : ننفق كما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينزعوها من أيدينا، ثم قسم الأمر بين أن يكون الوصي غنيا وبين أن يكون فقيرا فقال : وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ قال الواحدي رحمه اللّه : استعف عن الشيء وعف إذا امتنع منه وتركه، وقال صاحب «الكشاف» : استعف أبلغ من عف كأنه طالب زيادة العفة وقال : وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ واختلف العلماء في أن الوصي هل له أن ينتفع بمال اليتيم؟ وفي هذه المسألة أقوال : أحدهما : أن له أن يأخذ بقدر ما يحتاج اليه من مال اليتيم وبقدر أجر عمله، واحتج القائلون بهذا القول بوجوه : الأول : أن قوله تعالى : وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً مشعر بأن له أن يأكل بقدر الحاجة، وثانيها : أنه قال : وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فقوله : وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ليس المراد منه نهي الوصي الغني عن الانتفاع بمال نفسه، بل المراد منه نهيه عن الانتفاع بمال اليتيم، وإذا كان كذلك لزم أن يكون قوله : وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ إذنا للوصي في أن ينتفع بمال اليتيم بمقدار الحاجة، وثالثها : قوله : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى / ظُلْماً [النساء : ١٠] وهذا دليل على أن مال اليتيم قد يؤكل ظلما وغير ظلم، ولو لم يكن ذلك لم يكن لقوله : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً فائدة، وهذا يدل على أن للوصي المحتاج أن يأكل من ماله بالمعروف، ورابعها : ما
روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن رجلا قال له : ان تحت حجري يتيما أآكل من ماله؟ قال : بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله،


الصفحة التالية
Icon