مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٥٠٣
ولا بد وأن يكون هو أقرب إليه من ولده، فيلزم دخول كل الخلق في هذا النص وهو باطل، ولما بطل هذا الاحتمال وجب حمل النص على الاحتمال الثاني وهو أن يكون المراد من الأقربين من كان أقرب الناس إليه، وما ذاك إلا الوالدان والأولاد، فثبت أن هذا النص لا يدخل فيه ذوو الأرحام، لا يقال : لو حملنا الأقربين على الوالدين لزم التكرار، لأنا نقول : الأقرب جنس يندرج تحته نوعان : الوالد والولد، فثبت أنه تعالى ذكر الوالد، ثم ذكر الأقربين، فيكون المعنى أنه ذكر النوع، ثم ذكر الجنس فلم يلزم التكرار.
المسألة الرابعة : قوله : نَصِيباً في نصبه وجوه : أحدها : أنه نصب على الاختصاص بمعنى أعني نصيبا مفروضا مقطوعا واجبا، والثاني : يجوز أن ينتصب انتصاب المصدر، لأن النصيب اسم في معنى المصدر كأنه قيل : قسما واجبا، كقوله : فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [التوبة : ٦٠، النساء : ١١] أي قسمة مفروضة.
المسألة الخامسة : أصل الفرض الحز، ولذلك سمي الحز الذي في سية القوس فرضاً، والحز الذي في القداح يسمى أيضا فرضاً، وهو علامة لها تميز بينها وبين غيرها، والفرضة العلامة في مقسم الماء، يعرف بها كل ذي حق حقه من الشرب، فهذا هو أصل الفرض في اللغة، ثم ان أصحاب أبي حنيفة خصصوا لفظ الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع، واسم الوجوب بما عرف وجوبه بدليل مظنون، قالوا : لأن الفرض عبارة عن الحز والقطع، وأما الوجوب فانه عبارة عن السقوط، يقال : وجبت الشمس إذا سقطت، ووجب الحائط إذا سقط، وسمعت وجبة يعني سقطة قال اللّه تعالى : فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها [الحج : ٣٦] يعني سقطت، فثبت أن الفرض عبارة عن الحز والقطع، وأن الوجوب عبارة عن السقوط، ولا شك أن تأثير الحز والقطع أقوى وأكمل من تأثير السقوط. / فلهذا السبب خصص أصحاب أبي حنيفة لفظة الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع، ولفظ الوجوب بما عرف وجوبه بدليل مظنون.
إذا عرفت هذا فنقول : هذا الذي قرروه يقتضي عليهم بأن الآية ما تناولت ذوي الأرحام لأن توريث ذوي الأرحام ليس من باب ما عرف بدليل قاطع بإجماع الأمة، فلم يكن توريثهم فرضاً، والآية إنما تناولت التوريث المفروض، فلزم القطع بأن هذه الآية ما تناولت ذوي الأرحام، واللّه أعلم.
[سورة النساء (٤) : آية ٨]
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨)
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن قوله : وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ ليس فيه بيان أي قسمة هي، فلهذا المعنى حصل للمفسرين فيه أقوال : الأول : أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أن النساء أسوة الرجال في أن لهن حظاً من الميراث، وعلم تعالى أن في الأقارب من يرث ومن لا يرث، وأن الذين لا يرثون إذا حضروا وقت القسمة، فان تركوا محرومين بالكلية ثقل ذلك عليهم، فلا جرم أمر اللّه تعالى أن يدفع إليهم شيء عند القسمة حتى يحصل الأدب الجميل وحسن العشرة، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا، فمنهم من قال : إن ذلك واجب، ومنهم من قال : إنه مندوب، أما القائلون بالوجوب، فقد اختلفوا في أمور : أحدها : أن منهم من قال : الوارث إن كان كبيراً وجب عليه أن يرضخ لمن حضر القسمة شيئا من المال بقدر ما تطيب نفسه به، وإن كان صغيراً وجب على الولي إعطاؤهم من ذلك المال، ومنهم من قال : إن كان الوارث كبيراً، وجب عليه الإعطاء من ذلك المال، وإن


الصفحة التالية
Icon