مفاتيح الغيب، ج ٩، ص : ٥٢٥
ماله قليلا وفي الورثة كثرة لم يوص، وإن كان في المال كثرة أوصى بحسب المال وبحسب حاجتهم بعده في القلة والكثرة واللّه أعلم.
المسألة الرابعة : روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : الإضرار في الوصية من الكبائر. واعلم أنه يدل على ذلك القرآن والسنة والمعقول، أما القرآن فقوله تعالى : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ / يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [النساء :
١٣] قال ابن عباس في الوصية : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [النساء : ١٤] قال في الوصية، وأما السنة
فروى عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«الإضرار في الوصية من الكبائر»
وعن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«ان الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة وجار في وصيته ختم له بشر عمله فيدخل النار وان الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة»
وقال عليه الصلاة والسلام :«من قطع ميراثا فرضه اللّه قطع اللّه ميراثه من الجنة»
ومعلوم ان الزيادة في الوصية قطع من الميراث، وأما المعقول فهو أن مخالفة أمر اللّه عند القرب من الموت يدل على جراءة شديدة على اللّه تعالى، وتمرد عظيم عن الانقياد لتكاليفه، وذلك من أكبر الكبائر.
ثم قال تعالى : وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وفيه سؤالان :
السؤال الأول : كيف انتصاب قوله : وَصِيَّةٍ.
والجواب فيه من وجوه : الأول : أنه مصدر مؤكد أي يوصيكم اللّه بذلك وصية، كقوله : فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ [النساء : ١١] الثاني : أن تكون منصوبة بقوله : غَيْرَ مُضَارٍّ أي لا تضار وصية اللّه في أن الوصية يجب أن لا تزاد على الثلث. الثالث : أن يكون التقدير : وصية من اللّه بالأولاد وأن لا يدعهم عالة يتكففون وجوه الناس بسبب الإسراف في الوصية، وينصر هذا الوجه قراءة الحسن : غير مضار وصية بالإضافة.
السؤال الثاني : لم جعل خاتمة الآية الأولى : فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وخاتمة هذه الآية وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ.
الجواب : ان لفظ الفرض أقوى وآكد من لفظ الوصية، فختم شرح ميراث الأولاد بذكر الفريضة، وختم شرح ميراث الكلالة بالوصية ليدل بذلك على أن الكل، وان كان واجب الرعاية إلا أن القسم الأول وهو رعاية حال الأولاد أولى، ثم قال : وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ أي عليم بمن جار أو عدل في وصيته حليم على الجائر لا يعاجله بالعقوبة وهذا وعيد واللّه أعلم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣ إلى ١٤]
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤)
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : أنه تعالى بعد بيان سهام المواريث ذكر الوعد والوعيد ترغيبا في الطاعة وترهيبا عن المعصية فقال : تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وفيه بحثان.
البحث الأول : ان قوله : تِلْكَ إشارة إلى ماذا؟ فيه قولان : الأول : أنه إشارة إلى أحوال المواريث.


الصفحة التالية
Icon