ج١ص١٠
والجبروت " فجاء في الحديث بعد الملك والملكوت والعزة على ترتيب الأسماء فمعنى الجبار ذو الجبروت أي المستعلي المتعاظم، وقيل : هو الصفات السلبية، وقيل : الجبروت الملأ الأعلى لأنه جبر به نقص الإمكان بالكمال بالفعل، أو لأنهم مجبورون على حفظ كمالاتهم وهو بعيد رواية ودراية، فإن
قلت انجلاء الخفايا والخبايا بحسب المآل هو ابراز الغوامض، فكيف يجعل غاية وعلة له،
وهل هذا إلا كتعليل الشيء بنفسه ولا يخفي ما فيه.
قلت إبراز غوامض الحقائق والدقائق المراد به إظهار حقائق الموجودات المحسوسة
والمعاني المعقولة بقدر ما تسعه الطاقة البشرية، وانجلاء خفايا عالم الغيب والشهادة في الملك
والملكوت معرفة الصانع والعقائد الحقة، والحاصل أنه أوجد العالم ليدل على موجده،
ويصدق بكل مّا جاء منه فما قيل من أنّ قوله لتنجلي غاية للإبراز، وترتب الغاية على ذي الغاية
غير لازم، ولذا قالوا غاية العلوم الغير الآلية أنفسها تعسف من غير داع له. قوله :( ليتفكروا
فيها تفكيرا ) التفكير بمعنى التفكر واختياره لرعاية السجع كما مرّ.
وقيل المراد بالتفكر حصول العقل المستفاد منه، وفيه إشارة إلى أصول علم الكلام فتدبر
قوله :( ومهد لهم قواعد الآحكام وأوضاعها ) التمهيد وضع المهاد، وهو البساط استعير للتهيئة
والإعداد والقواعد جمع قاعدة وهي المسائل والقضايا الكلية، والأحكام جمع حكم، وهو
النسبة التامّة وخطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين عملاً واعتقادا، والمراد بالأوضاع جمع
وضع أئا بالمعنى للغوي من وضع كذا في كذا أو عليه إذا كان في داخله أو متمكنا عليه
والمعنى أنه بين الأحكام وأحوالها أو مصطلح أهل الأصول المسمي بخطاب الوضع، وهو بيان
أسباب الأحكام وشروطها ونحوهما، والضمير للقوإعد أو للأحكام والنصوص جمع نص،
وهو ما كان معناه صريحا غير محتمل لمعنى آخر، والإلماع جمع لمع كضوء وأضواء، وهو
لمعان الضوء ونحوه والمراد به إشارة النص، وليس جمع لامع كما قيل. قوله :( ليذهب عنهم
الرجس ويطهرهم تطهيرا ) علة لقوله مهد أو لجميع ما مرّ والرجس اسم لما يستقذر والتطهير
إزالته والمراد إزالة الأقذار الحسية والمعنوية لتكفل الشريعة بالطهارتين، واكثر على أنّ المراد
الثاني فإن قلت معنى الطهارة إزالة الحدث أو الخبث، وكونها بمعنى إزالة دنس الذنوب مجاز
على طريق تشبيهها بالطهارة الحسية والتأكيد بالمصدر ينافي المجازية. قلت : هكذا قرّره بعض
أهل العربية لكن ذهب بعض المحققين إلى أنّ الفعل المؤكد بالمصدر لا يتعين استعماله في
معناه الحقيقي، لما ورد في كلام العرب مما يدلّ على خلافه، كما فصل شرّاح التسهيل، ولك
أن توفق بينهما بأنه إذا لم تقم قرينة تعينت الحقيقة والا فلا أو أنه إذا اشتهر المجاز جاز كما هنا
لالتحاقه بالحقيقة، فإن الطهارة. كذلك ولذا ورد ) الصدقة أوساخ الناس ) ( ١ ( وسمي المشركون
نجسا، وفيه اقتباس مع تغيير يسير، والمراد بالرجس هنا الجهل والذنب وتطهيره بالعلوم
والملكات الفاضلة قيل : وهو مناسب لما قيل في الآية من أنّ المراد بأهل البيت الأمّة لأنهم
أهل بيت الشريعة، والقرينة الأولى للإشارة إلى إفادة القرآن للمسائل الكلامية، والثابة لبيان
إفادته للمسائل الأصولية والفرعية كما أنّ ما قبلهما لبيان كشفه تعالى للمعاني القرآنية بالقرآن وغيره والكل للحمد الذاتي وغيره قوله :( فمن كان له قلب الخ ) نكر القلب لتفخيمه، وللإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر أي من كان له قلب واع يتفكر في حقائق القرآن، وما بين له فيه، أو أصغي لسماعه، وهو حاضر بذهنه ليفهم معانيه أو شاهد بصدقه فيتعظ بمواعظه، وينزجر بزواجره فهو حميد محمود في الدنيا سعيد في الآخرة، وهذا على اللف والنشر التقديري أو فيهما وهذا اقتباس من قوله تعالى :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ ق : ٣٧ ] وفي بعض رسائل الرازي أنه إشارة إلى أنّ المدرك هو القلب لا الدماغ كما بين في محله، فإن قلت العطف بالواو هنا أليق من أو الفارقة لأن القلب محل الإدراك وإلقاء السمع عبارة عن الجدّ في تحصيل المدرك ولا بدّ من الأمرين. قلت : إن أريد به ظاهره فالمراد بالأوّل من له كماد في معرفته وقلبه مشتغل باستخرأج حقائقه ودقائقه وبالثاني من سواه، وقريب منه ما قيل : إنّ المراد بمن له قلب ذوو الأنفس القدسية الغنية عن الكسب والتعلم، وبمن ألقى السمع المحتاج إلى ذلك وقيل الأوّل