ج١ص١٦٩
ذكر فهم أنّ في هذا الوجه إيقاظا للأعجاز أيضاً، كما في الأول إلا أنه كما قيل مقصود إفادته بالذات فيه، وهنا بالعرض لأنّ الإشعار به جاء من لمح الأصل المنقول عنه لترجيح التسمية به دون غيره، وقد قالوا إنّ العرب سصت بها أيضاً غير الحروف المقطعة كلام اسم رجل من طيىء وعين للماء، وغين للسحاب وقاف للجبل وقد نقله بعض اللغويين في جميع أسمائها وأفرده بالتدوين ابن خالويه، والضمير في قوله بأنها للسور. قوله :( بأنها لو لم تكن مفهمة إلخ ) فهم كتعب متعد لواحد ويتعدى بالهمزة، والتضعيف لمفعولين فيقال أفهمته المسئلة، ويكون أفهم متعذيا لوأحد أيضا ولا يقال : انفهم، فإنه لحن فمفهمة في كلامه إما بكسر الهاء اسم فاعل من المتعدّي لواحد بمعنى دالة على شيء أو بفتحها اسم مفعول من الافهام أي معلومة المراد منها بحسب العلم بالوضعفكأنّ الواضع أفهمنا المعنى المراد بها.
وفيه تنبيه على أنه لا دخل للرأي في معرفتها بل يجب استفادتها من الغير كما قيل، والمراد بكونها مفهمة أن يراد بها ما يكون طرف نسبة مقصودة في الخطاب، فلا يرد أنها
موضوعة لحروف الهجاء والإفهام لازم للعلم بالوضع، وحاصله أنها إما مفهمة أولاً وعلى الثاني تكون كالرطانة وعلى الأوّل إما أن تفهم منها السور لأنها أعلام لها أولاً والثاني باطل لأنها إما أن تفيد ما وضعت له في لغتهم وهو الحروف ولا معنى له أو غيره ولا يصح لأنهم لا يخاطبون بغير لغتهم فتعين أنها أعلام ولا يخفى ضعفه ووجهه أنه يصح أن يراد بها الحروف، ومعناه أنّ المتحدى به من جنسها كما مرّ ثم إنّ قوله لم تكن مفهمة إن أراد إفهام جميع الناس، فلا نسلم أنه موجود في العلمية، وإن أراد إفهام المخاطب بها وهو هنا الرسول فيجوز أن يكون سرا بينه وبين ربه فلا ينافي كونه عربيا مبينا، ونحوه لأنه كذلك بالنسبة إليه وأما التحدي فليس بجميع أجزائه، وكون أوّل السور ينبغي أن يكون مما يتحدى به ليس بمسلّم. قوله :( كالخطاب بالمهمل ) المهمل بزنة اسم مفعول الأبل ونحوها تترك بغير راع، ثم استعير لما لم يوضع أو جعل مجازاً مرسلاَ عن مطلق الترك وصار هذا حقيقة في الاصطلاح، ووجه الشبه هنا عدم الدلالة إلا أنّ ما يترتب عليه من عدم الصحة ليس بصحيح لأنه يجوز أن يكون من المتشابه الذي لا يوقف عليه، وان أمرنا بتلاوته فإنه ليس كل ما أمرنا به معقولاً لنا وقوله العربي أي المتكلم بالكلام العربي. وقوله :( بيانا ) أي معربا عما في الضمير، وقوله وهدى لأنّ الهداية فرع الدلالة.
وقوله ولما أمكن التحدي به أي بما ذكر أو بالقرآن كله إذ ظهور النقص دليل على أنه من
عند غير الله فيردّ بلا معارضة. قوله :( التي هي مستهلها ) المستهل بفتح الهاء وتشديد اللام على صيغة المفعول وأصله من طلوع الهلال، ولما كان الهلال إنما يسمى هلالاً في أوّل الشهر، ثم هو بعده قمر وبدر قيل لكل أوّل مستهل، ثم شاع حتى صار فيه حقيقة فيقال : مستهل القصيدة لأوّلها ومطلعها، وقد أولع بعضهم بكسر هائه على زنة اسم الفاعل، وهو خطأ كما قاله الدماميني في شرح التسهيل، وخطأ بعض الشعراء في قوله :
أنا من أدمعي ووجهك أرّكأت غرامي بمستهل وغرّه
فإنّ التورية إنما تتم له بما ذكر، فليس هذا استعارة من قولهم استهل الصبيّ إذا صاح عند الولادة، فشبهت السورة بالصبيّ الصائح كما قيل، ولا من استهل المطر إذا نزل. قوله :( على أنها ألقابها ) قد قدمنا لك بيانه، فإنه يدل على الإعجاز وناهيك به من صفة مادحة، فإنّ اللقب ما أشعر بمدح كمحمد أو ذم كأبي جهل، فإن اشترط فيه أن يدل على ذلك بحسب معناه الوضعي، فتسميتها ألقابا على طريق الادعاء والتشبيه، وهي أعلام منقولة على هذا لا أعلام بالغلبة فلا يرد عليه ما قيل : من أنّ الإشعار هنا خفيّ، ولعل وجهه ما مرّ من أنها كلمات
معروفة التركيب، وأما اشتراط الإضافة، أو دخول أل فهو في الاعلام الغالبة لا المنقولة مع أنه، وان اشقر فيه خلاف إذ لم، يشترطه بعض أئمة العربية. كما في شرح التسهيل.
وقوله وظاهر أنه ليس كذلك يبطله ما مرّ في بيان الوجه الأوّل. وقوله :( لقولمه قعالى ) تعليل لما قبله، ويحتمل أن يكون تعليلاَ لجميع ما سبق، والأوّل أظهر. قوله :( لا يقال إلخ ) منع للاستدلال بأنها لو لم تكن أعلاما يلزم ما ذكر مستنداً إلى جواز الزيادة للدلالة على الاستئناف، ونقله عن قطرب لغرابتة إذ لم يعهد الاسخئناف بمثله بل بقولهم دع ذا ونحوه، كما ذكره الأدباء


الصفحة التالية
Icon