ج١ص١٧٩
منهما بمعنى الآخر كما يعلم بالاستقراء. قوله :( ويتأتى الإعراب إلخ ) أي يجوز من غير محذور ويتسهل قال في المصباح : وتأتى له الأمر تسهل وتهيأ، وتأتى في أمره ترنق، وهو قريب منه، ولما بين الإعراب فيها تممه ببيان كونه لفظاً أو محلاً فقال : إنه في المفرد والمركب الذي على وزن المفردات كحم بزنة قابيل يكون ملفوظا أو محكيا بأن يسكن حكاية لحاله قبله ويقدر إعرابه، وما خالفهما نحو كهيعص يحكي لا غير لأنه ليس مفرداً ولا بزنته. وقوله :( والحكاية ) هي أن يجيء باللفظ بعد نقله على صورته الأولى، وقد تبع المصنف رحمه الله الزمخشريّ فيما ذكره، وأورد عليه أنّ الحكاية في الاعلام إنما تجري في الجمل كتأبط شرا الرعاية صورها المنبئة عن أسباب نقلها إلى العلمية وفي الألفاظ التي وقعت إعلاماً لأنفسها، كقولك ضرب فعل ماض لحفظ المجانسة مع المسمى والإشعار بأنها لم تنقل عن أصلها بالكلية، وأمّا في غيرهما، فلا وجه للحكاية سواء كان مفرداً أو مركباً إضافياً أو مزجياً، ألا ترى ضرب إذا سميت به مجرّدا عن الضمير لم يحك، وما نحن فيه من هذا القبيل، فيتعين فيه الإعراب لا الحكاية والنوع الأوّل لا يمكن فيه الإعراب، فوجب أن يحكي ضرورة ولا ضرورة في الثاني.
وأجيب بأنّ أسماء الحروف كثر استعمالها مقدرة ساكنة الإعجاز موقوفة حتى صارت هذه
الحالة كأنها أصل فيها، وما عداها عارض لها، فلما جعلت أسماء للسور جازت حكايتها على تلك الهيئة الراسخة فيها تنبيهاً على أنّ فيها شبهاً من ملاحظة الأصل لأنّ مسمياتها مركبة من مدلولاتها الأصلية أعني الحروف المبسوطة، والمقصود من التسمية بها الألفاظ وقرع العصا، فتجويز الحكاية مخصوص بهذه الأسماء إعلاماً للسور، فلو سمى رجل بصاد، أو بسورة الفاتحة لم تجز الحكاية، وكذا غاق علماً معرب لا محكيّ على بنائه، وأمّا غاق حكاية صوت
الغراب فقد أريد به لفظه فلذا حكي بناؤه.
( أقول ( هذا ما حققه قدس سرّه، وهو زبدة ما في شروح الكشاف، والذي في الكشاف
برمّته من كتاب سيبويه حرفاً بحرف، ولا غبار عليه، وما اتفقوا عليه من أنّ الحكاية تختص بالاعلام المنقولة كدرّاج وبالألفاظ التي جعلت أسماء لأنفسها نحو من حرف جرّ غير متجه لمخالفته لما صرّح به في باب الحكاية كما في التسهيل وغيره، فإنهم أطبقوا على أنّ المفردات تحكى بعد من وأيّ الاستفهاميتين كما تقول لمن قال : رأيت زيداً من زيداً وبدونهما أيضا كقولهم دعنا من تمرتان، فكيف يختص هذا باسم السور، ويعلل بما ذكر وأنت إذا راجعت الكتاب وشروحه اتضح لك ما قلناه، فلا تكن من الغافلين. قوله :( والحكاية ليس إلخ ) في نسخة ليست أي ما لم يكن مفرداً، ولا موازيا لمفرد ليس فيه غير الحكاية لما كان عليه ولا يعرب نحو كهيعص لأنه موقوف على تركيبه وجعله اسما واحدا، وهو فيما فوق الاسمين خروج عن قانون العرب ولا خفاء في امتناع إعراب عذة كلمات بإعراب واحد قيل : الحكاية مبتدأ خبره ما بعده أي الحكاية ليس يتأتى إلا هي فيما عدا ذلك. وقوله :( فيما عدا ذلك ) أي ما يجاوز المفرد، وما وازنه وزاد عليه، وهو خبر ليس والأولى تقديم الخبر لأنه من تتمة الصفة، وقد منع كثير قصر الصفة قبل تمامها وأراد بالموصوف الحكاية، وبالصفة الكون فيما عدا ذلك، وبالقصر أن لا يتصف بهذا، لكون غيرها، وهذا صريح في أنّ ضمير ليس لا يرجع إلى الحكاية بل إلى يتأتى، وكلام المصنف صريح في رجوع الضمير إلى الحكاية، وكون فيما عدا خبر ليس غير ظاهر بل هو ظرف للحصر والتقدير الحكاية ليست الحالة المتأتية إلا إياها فيما عدا المفرد، وموازنه كما يقال في جاء زيد ليس إلا المعنى ليس الجائي إلا زيدا فالمعنى ليس المتأتي إلا إياها، فحذف المستثنى لفهم المعنى، وقد جوزه النحاة بشرط كون أداة الاستثناء إلأ، أو غير وتقدم النفي بليس وأجازه بعضهم مع لا يكون وتفسيره بفقط بيان لحاصل المعنى. قوله :( وإن أبقيتها على معانيها إلخ ) عطف على قوله : فإن جعلتها أسماء، وأبقيتها بالألف بمعنى جعلتها باقية وفي نسخة وبقيتها بدونها مشددة القاف، وفيه مخالفة لما في الكشاف من قوله : ومن لم يجعلها أسماء للسور لم يتصوّر أن يكون لها محل من الإعراب، فردّه بأنها إنما تكون كذلك إذا كانت مسرودة على نمط التعديد فإنها لا تعرب لعدم المقتضى، والعامل كما في قولنا دار غلام جارية، وهذا لا يستلزم نفي محلية الإعراب عند إبقائها على معانيها مطلقاً إلا أن ما ذكره الزمخشريّ بناء على الظاهر قبل


الصفحة التالية
Icon