ج١ص١٨٢
بها، ثم افتتح سورة النساء، ققرأها ثم افتغ آل عمران فقرأها ( ١ ) إلخ فإنه كما قال القاضي عياض وحمه الله : يدل لما قيل من أنّ ترتيب السور وقع باجتهاد من المسلمين حين كتبوا المصحف لا من النبيّ ﷺ بل وكله لأمته بعده، وهو قول مالك رحمه اللّه وجمهور العلماء، وقال أبو بكر الباقلاني : هو أصح القولين مع احتمالهما، فليس بواجب في الكتابة والقراءة في الصلاة وغيرها، ومن قال بأنه توقيفيّ يؤوّل ذلك على أنه كان قبل التوقيف في العرضة الأخيرة، ولا خلاف في أنّ ترتيب آيات كل سورة على ما هو عليه الآن توقيفيّ كما فصله في شرح طيبة النثر. قوله :( ذلك إشارة إلخ ا لما لم تصح الإشارة إلى لفعل ألم على بعض الوجوه بين حينئذ أنه اسم للسورة أو ما يؤوّل بالمؤلف على الوجهين الأوّلين أو القرآن ولا يتأتى على بقية الاحتمالات السابقة المذكورة لعدم صحة الحمل والوصف الذي هو في معناه، وذلك في قول المصنف ذلك إشارة فيه إبهام ولطف ظاهر، وقيل : إنه يحتمل أن يراد به نفسه، وأن يراد به الإشارة إلى ما في قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ ﴾ [ البقرة : ا ] ولا يخفى أنه يحتاج حينئذ إلى تكلف في اعتبار البعد، وهو بريء من التكلف. قوله :( أو فسر بالسورة إلخ ) الكتاب كالقرآن يطلق على المجموع وعلى القدر الشاثع بين الكل والجزء، وهو معنى حقيقيّ لغويّ إذ الكتاب بمعنى مطلق المكتوب فيصح إطلاقه على السورة بلا تكلف، فإذا كان تعريفه للعهد الحضوري أي هذا المقدار الحاضر منه تمّ المراد، فما قيل من أنّ السورة حينئذ يراد بها جميع القرآن مع مخالفته لما عليه اكثر من تفسيرها بالسورة يأباه كل ذوق سليم وكذا كون الكتاب اسم الكل تجوز به عن البعض منه، فإنه تعسف مستغنى عنه. قوله :( فإنه لما تكلاً به وتقضى إلخ ) اختلف النحاة فيما وضعله اسم الإشارة فقيل : منها ما وضع للقريب ومنها ما وضح للمتوسط، ومنها ما وضع للبعيد وقيل إنما هي على قسمين بعيد وقريب دون توسط، وكلام المصنف رحمه الله تعالى محتمل للمذهبين ولما كانت الإشارة هنا لألم، وقد ذكر آنفاً فليس ببعيد تبادر الذمن للسؤال عنه، فبينه بوجهين أردفهما الزمخشريّ بثالث هو من تتمة الثاني كما ستراه قريباً، فالأوّل أنّ ذلك لتقضي ذكره، والمتقضي كالمتباعد والإشارة إليه بما يشار به إليه مشهور جار في كل كلام، ولذا قيل :
ما أبعد ما مض، وما قد ناتا
وفي المثل أبعد من أمس فهو لكونه متقضياً معداً للعدم في حكم البعيد لا بعيد عن
الوجود كما قيل، وليس المراد أنه لفظ من قبيل الأعراض السيالة الغير القارّة فكل ما وجد منه اضمحل، وتلاشى وصار صتقضيا غائبا عن الحس وما هو كذلك في حكم البعيد كما توهمه بعضهم، فإن هذا ناشىء من عدم فهم المراد، وسيأتي توضيحه وأنه لا يختص بالألفاظ بل يجري فيها، وفي المعاني والأجسام القارّة ألا ترى تمثيل العلامة لهذا بقوله تعالى :﴿ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ [ البقرة : ٦٨ ] فافهم ترشد والثاني أنه لما وصل من المرسل إلى المرسل إليه وقع في حذ البعد كما تقول لصاحبك، وقد أعطيته شيئا احتفظ بذلك وهذا أمر مطرد في العرف أيضا واعترض عليه بأنه قبل الوصول إلى المرسل إليه كان كذلك.
وأجيب بأنّ المتكلم إذا ألف كلاماً ليلقيه إلى غيره فربما لاحظ في تركيبه وصوله إليه
وبنى كلامه عليه، وقيل : لم يرد بالمرسل إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بل من وصل إليه حال إيجاده بمنزلة السامع لكلامك كملك الوحي، وردّ بأنه مخالف لما يفهم من العبارة، وأيضا إن أراد باللفظ الذي وصل للسامع لفظ ألم، فذلك ليس إشارة إليه وان أراد لفظ جميع السور أو المنزل فقبل أن يصل إليه الجميع كان ذلك على حاله كذا قال قدس سرّه تبعا للفاضل المحقق، ثم قال : ذكر بعضهم إنّ السؤال مخصوص بكون ألم اسما للسورة، وهو عام ويؤيده قوله أي ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل ونحوه، ويمكن أن يقال لما كان مجموع المنزل مرموزا إليه غر مصرح به كالسورة نزل لذلك منزلة البعيد أيضاً، ثم إنّ اسم الإشارة موضوع للمشار - إليه إشارة حسية، ولا يستعمل كي غيره إلا بتنزيله منزلته كما قال السكاكيّ المشار إليه باسم الإشارة امّا مدرك بالبصر أو منزل منزلته، فذلك إن كان إشارة إلى ألم فمدلوله سواء كان اسما للسورة، أو رمزاً لجملة المنزل ليس مبصرا بل منزل منزلته، فإن نظر إلى ابتداء نزوله كان كمعنى حاضر يجعل كالمشاهد لذكره، وفي حكم ألبعيد لزوال ذكره وتقضيه، وان نظر إلى أنه لم ينزل كلتمامه


الصفحة التالية
Icon